في هجاء القُرّاء!



 نتّفق عامّةً أن القارئ لا يُدعى قارئًا إلا بملازمته للكتب، بحثه عنها وحرصه على اقتنائها، هذا يفضي إلى علاقة تشبه الصداقة، تنشأ بين القارئ والكتاب، وكما قيل: خير جليس في الزمان كتابٌ.

الكتاب ينفع القارئ ولا بُدّ، يقدّم له خدمة جليلة، حتى إن كان كتابًا تافهًا، فهو على الأقل يعلّم القارئ؛ معنى أن تكون الكتابة سطحيّةً أو مبتذلةً! 

فهل في المقابل، ينفع القارئ كتابًا يقرأه؟ هذا ما لا يحدث بالضرورة، أحيانًا، عن عمدٍ أو بغير عمد، يؤذي القارئ كتابًا قرأه، ولن أتطرق هنا عن وصول هذه الأذيّة إلى مؤلف الكتاب نفسه، سنحسن الظنّ، ونتجنب الخوض في "شخصنة" العلاقة بين الكاتب والقارئ، تلك العلاقة التي يكون الكتاب فيها هو الوسيط.

طرحتُ سؤالا عبر صفحتي على الفيسبوك: متى يصبح القارئ عدوًّا للكتاب؟ كانت معظم الإجابات تجيب عن سؤال آخر: كيف يصنع الكاتبُ أعداءً لكتبه؟ إذ صبّت في خانة وضع اللوم على الكاتب، ولكني كنت أعني العلاقة المباشرة بين القارئ والكتاب، سواء نجح الكاتب في إيصال فكرته أو لم ينجح، متى يضرّ القارئُ الكتابَ الذي قرأه؟ دعنا من كون بعض الكتب بالغة السطحية، أو بالغة السذاجة او التحيّز أو المحتوى الضار، نحن هنا سنتحدث عن كتب لا إجماع حولها، نتحدث عن كتاب بالمستوى "العاديّ" أو "الممتاز" من حيث المقروئية.

وحين أكتب هذا المقال، فأنا أكتبه بصفتي قارئة أولا، وليس بصفتي كاتبة، هذا كيلا يظننّ أحدكم بيَ الظنونَ، والحالات التي سأتحدث عنها ربما كنت يومًا ما واقعة تحت تأثير إحداها، ربما يكون قارئ هذا المقال أيضًا من بينها، أو ربما مازال كذلك، ما نودّ أن يحدث، هو زيادة الوعي بنوعية القراءة التي نرجوها، لا منع القارئ من القراءة.

متى يكون الكتاب سيئ الحظ إذًا؟ يكون سيّئ الحظّ حين يقع بين يديّ أحد هؤلاء:




1. قُرّاء الـPdf، لا تفهمني عزيزي القارئ بشكل خاطئ، فالمقصود هنا أولئك الذي يعرفون جيّدًا أن الكتاب متوفر في المكتبات، ولا يكلّفون أنفسهم حتى عناء السؤال عن سعره، بل يقفزون فورًا إلى خيار واحد: هل متوفّرة منه نسخة بي دي إف؟ رغم أن سعر الكتاب "غالبًا" سيكون مساويًا لتكلفة وجبة إفطار في أحد مقاهي "الأومليت" وأخواتها، وأن مبلغًا تستثمره في كتاب تثق في جودة محتواه، أجدى من مبلغٍ تضعه في معدتك. 



2. قرّاء الحرق، أولئك الذين يتعمّدون عن سابق إصرار وترصّد حرق كل أحداث ومفاجآت الكتاب إن كان رواية، وينشرون بهمّة ومثابرة مراجعاتهم المشتعلة في كل قناة متاحة لهم، صحيفة أو صفحة، دون إشعار مطلع مراجعتهم بأنها spoiler، أي فيها حرق للأحداث، ودون أي شعور بالذنب! (هداهم الله أو باعد بيننا وبينهم)



3. قُرّاء الترند، من الجيّد أن تقرأ كتابًا حقّق شعبية ضخمة أو فاز بجائزة معتبرة، ولكن من المعيب أن تقتصر قراءاتك على هذا النوع، ومن المعيب أن تستعجل في قراءتك لهذه الكتب، بلا تفكّر أو تركيز، فقط لتلحق الترند، كي تحقق مشاهدات جيدة على يوتيوب، أو تجني كنز لايكات على فيسبوك، لأنك تظلم هذه الكتب دون وعي منك، سواء خرجت منها بتقييم إيجابي أو سلبيّ، في الحالتين ستكون فقدت متعة التمهّل الذي سيكشف لك السُّتُر والألغاز.



4. قُرّاء النوايا المبيّتة، النوايا السوداء، أسوأ القُرّاء، حين تتحول عملية االقراءة إلى مسألة معركة شخصيّة بين القارئ والكاتب، فلا تقع عينا القارئ على الجميل، بل فقط على الزلات والأخطاء، ليس ثمة عزيزي القارئ كتابًا متكاملا عدا القرآن الكريم، وما تفعله يضرّك بصفتك قارئًا محنّكا ويضر بتجربتك وبرحلتك، أكثر مما يضرّ الكاتب الذي سيجد في ركن آخر قراءً يرون الجميل فيما قدّم.



5. قراء التوقعات، يخوضون تجربة القراءة بنوايا مسبقة حول الكتاب، ثمّ حين لا يجدون ما كانوا يبحثون عنه،.... 

حسنًا، البقيّة تعرفونها! أنصحك عزيزي القارئ بألا تبدأ رحلتك بتوقعات عالية، واستمتع بها كما هي.



6. قُرّاء الإهداءات، هؤلاء القراء الجميلون، حسنوا النيّة، سيئوا الطباع، الذين يطالبون أصدقاءهم الكُتاب بنسخة مهداة، وحين تصلهم تلك النسخة موقعة بحماس من كاتبها، تُدفن فورًا في غبار ركن منسيّ من مكتبة ذلك القارئ، ربما يصوّر الإهداء ليشاركه عبر حساباته قبل أن يقوم بوأده، (سامحكم الله على كسر الخاطر! ربما هذا هو النوع الوحيد الذي عرفته بعد أن صرتُ كاتبة)


قد تكون هذه التدوينة صريحة أكثر من اللازم، خاصّة لأن كاتبتها هي مؤلفة كتب، وأنا هنا لا ألوم، إنما أكشف ما قد يغيب عنّا، أو ما قد نظنّه هيّنًا وهو في عُرف القراءة عظيم!

فالقُرّاء ليسوا بالضرورة أهل ثقافة، بل حتى أهل الثقافة ليسوا بالضرورة محسنين في إطلاق الأحكام، وليسوا بالضرورة منصفين في قراءاتهم. وحين يقابلك كتابٌ سيئ، فالأجدر بك تجاهل التحدث عنه.

وللإنصاف، ربما تكون التدوينة القادمة عن: الكُتّاب الذين يعادون كتبهم. :)

قراءات ممتعة أرجوها لكم

كوثر الجهمي

تعليقات

  1. مقال جميل سلمت يداك

    ردحذف
  2. كلامك صحيح انتي صنفتى القراء بشكل صحيح وفي الأغلب في هذا الزمان ياقراء ترند اوpdf

    ردحذف
  3. جميل جدا أكملي من فضلك

    ردحذف

إرسال تعليق