العلاقة بين الكاتب والقارئ علاقة مبنية على مصلحة، إنّما مصلحة نبيلة، فالكاتب لا ينشر كتاباته إلا بحثًا عن قراء يعترفون بقلمه، وربما يبحث أيضًا عن بعض الدعم منهم، فالدعم المعنوي والمادي (بشراء كتبه)، يهوّن عليه رحلته التي سيستمر فيها غالبا سواء تلقى الدعم أم لا.
والقارئ، لا يُسمّى قارئًا لولا الكتب، هو إذًا بحاجة إلى كُتّاب جيّدون، وإلى أدب جيّد وصحافة جيّدة، كي تسهل رحلته، ويستمتع بها هو الآخر، يستمتع حتى إن كان ما يقرؤه مربكًا وتعيسًا، فالاستمتاع هنا هو استمتاع بالمعرفة، والمشاركة الوجدانية.
كانت ستبقى هذه العلاقة محافظة على المسافة التي تحفظ احترام كل منهما للآخر، لولا السوشال ميديا.
أزاحت السوشال ميديا تلك الهالة من الغموض التي تلف الكاتب، وعملية الكتابة، وفي الوقت الذي ينبغي أن تكون إزاحة تلك الهالة فرصة للتعرف عن قرب على الكُتّاب المفضلين، والتعبير عن مشاعر الودّ التي تجمع القارئ بالكاتب، ومشاعر الامتنان التي يحملها الكاتب لقرائه، فإنها -مثلها مثل أي شيء في هذا العالم- بوجهين، الوجه الجميل الذي ذكرته حالا، ووجه آخر قبيح، يجد فيه بعض القراء، أو يحسبون أنفسهم قراء، أمام فرصة لا تفوّت للنيل من الكاتب، أو لإحراجه أو إهانته، دون أن يبدوا حقًّا هؤلاء في موقف الذي تعمّد إحراج الكاتب أو إهانته، لا مبالين بالجهد الذي يبذله لإخراج نص ما، سواء كان وُفّق في ذلك أم لم يُوفّق، تعليقات عابرة قد لا يقف عندها أحد، إلا الكاتب المعنيّ بها، فهو يفهم تماما ما يقبع خلف السطور (لا بينها).
إليكم 6 رصاصات يطلقها بعض "القراء" على الكُتّاب، في سكون تامّ، لذا لا يُحسّ بها غالبا إلا الكاتب، ولا يلحظها بقية الناس:
الرصاصة الأولى: أن يُقرأ كلام الكاتب سطحيًّا، دون النظر للمعنى، وكأنّ اللغة تبرأتْ من المجاز والاستعارات.
الرصاصة الثانية: أن يُطلب من الكاتب نسخة مجانية، رقمية أو ورقية مع توفّر إمكانية اقتناء الكتاب من إحدى المكتبات.
الرصاصة الثالثة: أن يُقال للكاتب دومًا، خلال سنوات، وبعد كل إصدار، وفي كل منشور عن أحد كتبه: "سأحاول اقتناءه"، وكأن الأمر حقا بهذه الصعوبة. (اللهم إلا إن كانت الكتب لا تصل بأي وسيلة إلى حيث يقيم هذا القارئ).
الرصاصة الرابعة: أن يُقرأ الكتاب، أو المقال، أو القصة، وينال الإعجاب، ولا يوصى به! (كيف يساهم القارئ في قتل نصّ يحبّه!؟)
الرصاصة الخامسة: "قصتك/ روايتك مطابقة أو مشابهة تماما للرواية الفلانية"، في هذه الجملة، وإن بدا ظاهرها مدحًا، أو في أسوأ الأحوال تباهيًا بسعة القراءة والاطلاع، فما تخفيه هو هذه الرسالة: "لقد سرقت الفكرة" ، "نصك غير أصيل". رغم أن التشابه قد لا يتعدى تشابه الموضوع، وهذا أمر طبيعي، والفكرة في الإبداع تكمن في التفاصيل وأسلوب العرض وقالبه والحبكة السردية إن كان النص سرديًّا.
الرصاصة السادسة: أن تُكتب مراجعة مبنية على قراءة نصف النصّ أو أقلّ (سواء كانت مراجعة إيجابية او سلبية).
بقي أن يعرف مطلقو هذه الرصاصات السّتّة، بأنها لا تقتل كاتبًا جادًّا، مُصاب بداء الكتابة، فهو كالقط؛ بسبعة أرواح.
تعليقات
إرسال تعليق