*نُشرت على فاصلة 2018
في يوم الرجل العالمي، أرغب أنا المدعوّ "ع" في التعبير مطوّلًا لأول مرّة:
ليس من السهل أن يكون المرء رجلا في مجتمعنا كما تتخيلين آنستي الافتراضية، فما يُعدّ ترفًا و"شطارة" في قاموسك إن قمت به، كقيادة السيارة، أو تغيير "بمبلة الغاز"، أو تصليح الصنبور أو المجاري، أو صيانة السيارة أو حمل "البساطات" المغسولة وما بوزنها، إنما هو واجب، وامتحان لاستحقاق الرجل لقبه في بيئتنا، قد نكون ببساطة غير قادرين على فعل هذا أو ذاك، أو لا نريد، ولكننا لن نجرؤ على البوح، فهذا انتقاص من رجوليتنا، كما أن البوح في حد ذاته عار على "شنباتنا"، هذا إن كنا من المحظوظين أصحاب شعر الوجه الغزير، طبعًا أنت لا تركزين على نفسك حين تأخذ لحية أحدهم أو شاربه بلُبّك فلا تستحي من التعبير عن إعجابك الشديد به، متناسية أن أحدهم قد يؤذيه ربط رجولته ببصيلات شعره.
لست أنت من يتعرض لعملية "الختان" في سنواته الأولى، بعضنا يُعدّ محظوظًا إذ يخضع لهذه العملية الموجعة في شهوره الأولى فينسى الألم الذي يلحقها، ولكن بعضنا الآخر ليس على هذا القدر من الحظ! لقد حُرِمنا من البكاء في غير الكوارث الطبيعية الكبرى، لهذا تظنين أننا عديمي الإحساس، لا تفهمين صعوبة أن تروضي نفسك على ألا تبكي في سنوات الطفولة الأولى تحت ذريعة "ماتبكيش زي البنات"!
تشعرين بالأمن حين يرافقك أحدنا مرورًا ببوابة ميليشياوية ما؟ تجهلين أننا بشر يعترينا الخوف أيضًا، فسوبر مان ليس رجلا حقيقيًّا، نحن نعرف جيدًا بأن حمايتكن واجبٌ علينا، ولكننا بينما نقوم بذلك تنتابنا تقلصات المعدة مثلكن تماما، ونعلم أن حمايتكن قد تكلفنا حياتنا، بل وأسوأ من ذلك، قد تكلفنا خسارتنا لكن! حُرمنا حتى من حريتنا في الشكوى و"الفضفضة"، حُرمنا من إظهار سعادتنا بزواجنا من الحبيبة، فهذا يدل حسب دستورنا على "خفة" العقل.
حين تذهبين بملء إرادتك للبحث عن العمل، فهذا في قاموسك دلالة على أنك "سترونق إندبندنت وومن"، هذه شجاعة منك ووسام تعلقينه على صدرك، وفي حال لم ترغبي، أو لم تجدي العمل الذي يناسب تطلعاتك، تبقين في البيت معززة مكرمة يأتيك طلبك عند قدميك، أما في دستورنا فهذا المطلوب منا، إن وجدنا عملا فهذا البديهي، إن لم نجد عملا فنحن "البطالة" التي تشكل عبئًا على المجتمع وعالة على أُسرنا، أتعلمين مقدار الضغط النفسي الذي يتعرض له الشاب من بيننا حين يضطر أن يمد يده لوالده أو والدته طلبًا لمصروف جيبه؟
تتحاملين علينا بسبب غيرتنا و"حزارتنا"، في الحقيقة هذا أيضًا ليس اختيارًا، فممنوع علينا نحن معشر الرجال هنا الإدلاء بأسماء أمهاتنا او أخواتنا أو زوجاتنا، وإلا اعتُبِرنا ديوثين، أو شاذون جنسيًّا! حتى لباسك إنما مرآة لنا، فمن يسمح لأخته أو زوجته أو ابنته بالخروج دون أن تغطي رأسها -وأحيانا وجهها من غير حالة تديّن- يوصم بالتبلد، ومن يسمح لها بكتابة اسمها الحقيقي على مواقع التواصل أو استخدام صورتها الحقيقية فهو متأثر "بالغرب" والعولمة ولا بد!
أما حريّة التعبير المكفولة للرجل والمزعومة ليست حقيقية، فها أنا لا أستطيع نشر هذا النص بصورتي الشخصية واخترت صورة لممثل حتى أتجنّب التعليقات الشخصية والأحكام في حقي، بل لا أستطيع حتى كتابة اسمي لعلّ أحد الأصدقاء يصادفه ويستلمني بتعليقاته!
قد أكون منفتحًا، ولكن أعذريني، فالمجتمع حكم عليّ بمعاملتك بتلك الطريقة، وأقنعني بها، تصرفاتي قد لا تعبر بالضرورة عن قناعاتي ولكني مجبرٌ لا بطل.
تعليقات
إرسال تعليق