*نُشر على فاصلة 2018
إن كنت قد كونت فكرتك عن الزواج "السعيد" من الصور المبهجة للعروسين، أو من صور الاحتفالات السنوية بذكرى الزواج، أو حتى من الصور التذكارية التي تشاهدها لأصدقائك المتزوجين في مدينة ما أو مطعم ما، فاسمح لي بأن أشوه كل تلك الصور عندما أزعجك بحقيقة هذا الوهم.
تنويه: هذا المقال قد لا يروق لمن لم ينتهوا بعد من مرحلة الروضة في مدرسة الزواج.
دعني عزيزي القارئ أسألك قبل الخوض في غمار هذه المغامرة، عندما تكتب تهنئة لأحدهم، "أتمنى لك حياة سعيدة"، ربما تكون تعني حقًا أمنياتك الطيبة هذه، لكن هل تؤمن حقًا بأنها ستتحقق؟ قطعًا لا، أنت تدرك جيدًا بأن حياتنا جميعًا، جميعًا دون استثناء، معرضة للعديد من المنغصات، وتدرك بأن نهاية الحكايات والأفلام والمسلسلات التي تخبرك بأنهم عاشوا في سعادة إلى الأبد مجرد نوع من الترفيه الذي نحتاجه في حياتنا كحاجتنا لقوت يومنا، لا أحد يعيش في سعادة إلى الأبد، لا أحد، هذا سواء كان مفهوم السعادة لديك هو الشعور بالراحة والرضا، أو هو معنى مرادف للبهجة والفرح، إذ لا رضا ولا راحة ولا بهجة ولا فرح دائمة في مؤسسة الزواج.
وهل هذا الكلام يعني أن العكس صحيح؟ هل الزواج حدثًا تعيسًا؟ بالطبع لا أيضًا!
الزواج حدث حياتي، عارض، قرار يتخذه الإنسان أو يؤخذ نيابة عنه -في بعض المجتمعات-، لا يجوز أن نصفه بالسعادة أو التعاسة، هل شهدت ولادة سعيدة مثلا؟
في الزواج لا سعادة دائمة ولا تعاسة دائمة، هناك فقط، زواج ناجح وزواج فاشل، أما السعادة والتعاسة فهما أمر نسبي، يختلف بين النوعين.
سيقول بعضكم أن هذا يؤدي إلى ذاك، فالزواج الناجح هو زواج سعيد والدليل استمراره، والفاشل هو زواج تعيس والدليل انتهاؤه، ما هكذا تُقاس الأمور؛ فالزواج الناجح هو الذي لا يعيق أطرافه، لا يشلهما أو يشل أحدهما عن ممارسة كينونته الطبيعية التي كان عليها قبله، قد يكون نتيجة لحب كبير، أو قد يكون نتيجة لعمليات حسابية وتقديرية مرهقة، وفي الحالتين فهو لن يخلو من المشاكل والمشاحنات، لن يخلو من الدموع والغضب والكبرياء، لذا تبدو كلمة "سعادة" غير ملائمة في كثير من الأحيان. وليس بالضرورة أن تكون شعلة "الحب" متقدة فيه على الدوام، هناك مشاعل أخرى بتسميات أخرى، كالأُلفة، والرحمة، والرغبة في الاستمرار والمحاربة معًا.
و لكن الفرق بينه وبين الزواج الفاشل هو أنه يمضي قُدُمًا دون أن تخلف فيه كل تلك المنغصات أثرًا غير قابل للزوال، كيف؟ بالحوار والمصارحة، الزواج الناجح لا مكان فيه للخوف أو القهر، وكنتيجة طبيعية فهو زواج مستمر، حتى الموت، وأحيانا، إلى ما بعده. الأمر المحزن، أنه في لحظة استسلام، قد يتحول إلى فشل ذريع
وعكس كل ما ذُكر أعلاه، هو ببساطة الزواج الفاشل، قد يكون هو أيضًا ناتجا عن قصة حب كبيرة، وقد يكون نتيجة عمليات منطقية، إلا أن نهايته لا تنتهي دوما بالانفصال، وليس من الضرورة أن يظهر جليًّا للعيان، قد يختبئ وراء الصور التي ذكرتها في بداية المقال.
هناك زواج فاشل يستمر، تستمر القشرة في الظهور رغم تشققها، ويبقى الخاتم ثابتًا في تلك البنصر، بخنوع أحد الطرفين واستسلامه، فيحكم الطرفين على حياتهما بالنوم المؤبد إلى جانب العدو، لأجل الأطفال ربما -الذين ويا للغرابة يستمرون في الزيادة-، او خوفًا من الفضيحة أو الاعتراف بالفشل. هل نسميه زواجًا تعيسًا؟ ليس بالضرورة، لأنه يتحول إلى عادة، أو مشاركة حياتية سطحية، هكذا بكل بساطة، قد يكون هناك صور لشفاهٍ مبتسمة، كتماثيل الشمع، بلا روح.قد يكون هناك سفر ولذة وسعادة سطحية للحظات لا تتعدى لحظة فلاش الكاميرا، دون إحساس حقيقي بالمشاركة.
يتحول الزوجان إلى شركاء في السكن، لا يهتم أحدهما بما يفكر به الآخر، بما يحزنه أو يسعده، ولا يهمه من أمره إلا بعض الأمور التي تجمعهما، كالمصروف وتعليم الأبناء ومواصلاتهم، وصحتهم، ولكل منهما حياة خاصة به يمارسها دون تدخل أحيانا من الطرف الآخر، أو بتدخل إجباري قسري إن كان الطرف المستسلم هو الأنثى… الأمر المُبشر، هو أن الفشل، بقليل من المحاولة من أحد الطرفين أو من كليهما قد يتحول إلى نجاح
تُرى، هل يكون كل ما ذُكر غير حقيقي، ومجرد مبالغة تقتصر على فئة صغيرة فحسب؟
تعليقات
إرسال تعليق