"مش أمك!"


 

*نُشرت على فاصلة 2018

حتى في يوم إجازتي الوحيد أجدني مضطرة للاستيقاظ مبكرًا، لم أنجب طفلا بعد كي يقطع نومي، فزواجي لا يزال في شهره الثالث، إلا أن زوجي هو طفلي الذي لم تنجبه بطني!

"نوضي ديريلي قهوة ياسرك نوم"

في كل مرة يؤخرني فيها عن عملي كي أكوي له قميصًا قرر ارتداءه في اللحظة الأخيرة عوضًا عما كويته له في الليلة السابقة، في كل مرة يتأفف من "المبكبكة" حين ألجأ إليها في أيام الازدحام التي تسبب في عودتي متأخرة، في كل مرة يقرصه جوع الشتاء منتصف الليل فيفسد عليّ لحظة استسلامي للنوم كي أقلي له بيضة، في كل مرة يحذرني من غسل جواربه في الغسالة عوضًا عن فركها بأصابعي يومياًّ، وفي كل مرة ينزعج من فوضى دولابه التي سببها هو ولم أرتبها "أنا" من بعده، وددتُ دومًا لو صرختُ في وجهه: "أنا مش أمك!"، ولكني لم أفعل.

ومع بداية حالة "الوحم" التي أصابتني، أتخمتُ لدرجة الغثيان بدلاله، لماذا اعتبرَ خدمتي له أمرًا مفرغًا منه لمجرد أني امرأة؟ أنا امرأة تعمل، وأحب عملي، وأُحبه هو، وسأحب طفلي القادم، لماذا حين "أبرطم" غضبًا يستفزني بأنه عليّ ألا أكلف نفسي فوق طاقتها، و"لو مش قادرة توفقي بين الحوش والشغل، فحوشك وراجلك أولى بيك"، من هذا الذي وضع هذا القانون ومتى؟ من الذي قال بأنه عليّ أن أتنازل عن جزء مني في سبيل إرضاء جزءًا آخر؟ أشاركه مصاريف البيت والسيارة، لماذا لا يشاركني أعباء البيت؟ أريد زوجي وأريد أمومتي، وأريد بشدة عملي أيضًا، مثله هو تمامًا! لماذا يفترض كثير منا بأن إعداد القهوة والبسبوسة، وكي القمصان وغسل الجوارب وتلميع الأثاث هي مهمات "مؤنثة"؟

سأرميها قنبلة في وجهه، "أنا مش أمك"، سأكون عبدة فقط لطفلي الذي ستنجبه بطني، أوفر له احتياجاته طالما هو عاجز عن ذلك، ولكنك رجل راشد، أنت زوجي لست طفلي، تملك ذراعين وساقين أقوى مما عندي، كما أن لديك حاستي شم وتذوق قويتان بدليل نقدك الذكي و"البناء" -حسب فهمك- لمقدار الملح والفلفل و"الكراوية" التي تطلب مني تقليلها أو زيادتها مع كل وجبة.

سأهتف كجينيفر لوبيز بإصدار ليبي: "أنا مش أمك"، فبمقدورك إعداد فطورك يوم العطلة، أو حتى أيام نخرج إلى العمل سويًّا، ما الضير!؟

"أنا مش أمك"، ولكني على استعداد لأن أطهو لك غداءك، على استعداد لتلبية كل طلباتك تلك، بل –وفق ما أملك من وقت وجهد- مستعدة حتى لتلميع حذاءك بِحُب، شرط ألا تأخذ "خدماتي" على محمل "البديهي" و"المضمون"، حتى محبتي لك غير مضمونة إن استمريت في شهرياريتك.

نعم، سأنفجر في وجهه، هكذا فكرت منذ بضعة أيام خلت.

استيقظتُ قبله ممهدةً لتنفيذ خطتي، في يوم إجازتي، مؤكدة لنفسي: "العمر وقفة عز"، إما الآن وإلا فلا.

أعددتُ وجبة الإفطار لشخص واحد، فنجان قهوة واحد، شطيرة بيض مقلي بالسجق واحدة، وكوب "فروتا" بقطع تفاح وموز وفراولة طازجة، واحدة أيضًا، انفتحت شهيتي على مصراعيها ذاك الصباح، ومنظر السفرة كان يشي بأن صاحبتها أعدتها فقط لتصويرها ونشرها على "إنستاقرام"، لا لتناولها.

أيقظتْه رائحة وأصوات إعدادي للفطور، سمعتُ أزيز باب الحمام، خرج منه سريعًا تطلبه الرائحة القوية الدافئة، ورعشة ما سرتْ في جسدي وأنا على بعد ثوانٍ من إطلاق هيروشيما "أنا مش أمك"، جلستُ قبالة "سفرتي" المغرية، ولمحته بطرف عيني يدخل المطبخ، تجمدتُ ولم أستطع أن أمد إصبًعا واحدًا نحو وجبة الإفطار الخاصة بي.

"أوووووو، ماشاااااااااء الله، وين من زمان هالحركات!"

جلس مقابلًا لي مشمرًا أكمامه مستعدًا للانقضاض على فطوري، وأنا كالصنم أجلس قبالته، استغرقه الأمر ثانيتين كي يلحظ بأنه فطور لشخص واحد، افترض بالطبع أنه له:

"خيرك مش حاسبة روحك؟"، قالها وبدأ يدسّ أولى لقمات فطوري بين فكيه الواسعين

قوليها! قوليها أيتها الجبانة

"الحقّ يا ربي، هذا فطوري أنا مش فطورك"

عقد حاجبيه لم يفهم، رغم مواصلته المضغ والتهام المزيد قبل أن يزدرد اللقيمات السابقة

"امالا علاش ما وتيتيش فطوري؟!"

"أنا مش................"

قوليها أيتها المنافقة المصطنعة، لماذا ترتعشين؟ قوليها أيتها الأفاقة الكاذبة الوهمية

"أنا مش .............."

تذكرتُ كل ما سأضطر للتعامل معه إن عدتُ لبيتي مطلقة وأنا على مشارف شهر رابع فقط من زواجي، بطفل في بطني، حسنًا، فاتني أن جينيفر لوبيز غير مضطرة لمواجهة ما سأواجهه

"مش .................."

بقي ينتظر مني إنهاء جملتي؛ وأنا أفكر في الخيارات المتاحة أمامي، سأضطر إما لترك عملي نهائيًّا، أو أن أعيش حياتي أمًّا لطفل أو طفلة لن يعرف معنى كلمة "أسرة" يومًا، سيحرمونني من حق السكن بمفردي بطفلي القادم، سيحرمومنني من حقي في الاستقلالية كحال كل مطلقة أو أرملة

"كملي خيرك ساكتة؟ مش شني؟"

"مش.................."

ستركلني الأفواه من لسان إلى آخر، لباسي الذي اعتدتُ ارتداءه سيصبح فجأة مشبوهًا وغير لائق، حتى سيارتي ستصبح موضع إغراء وفجور، هذا ما سيحدث إذا ما أطلقت قنبلتي، مادمنا نقيم في دولة تحكمها الأعراف المتوارثة، فالرجل يبقى طفلا يبحث عن أنثى ترعاه وإن بلغ من العمر عتيًّا، وإن لم تفعل، فإن بقاءها تحت سطح الأرض أفضل منه فوقها.

"خيرك!؟"

انتفضتُ إذ أنه صرخ بها نافذًا صبره

"مش.." ازدردتُ ريقي "مش خاطر عليا بتنوض توة"

"آه.." ثم تابع تناول وجبتي بنهم لا يشبع، "مرة ثانية ماديريش ملح عالمرقاز"


تعليقات