*نُشر على فاصلة 2017 ضمن أسبوع مناهضة العنف ضد المرأة
يُعدّ اليوم الخامس والعشرين من نوفمبر يومًا عالميًّا لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، أقرته الأمم المتحدة يومًا عالميا عام 1999م، وإذا ما أردنا تسليط بعض الضوء وتقريب الصورة نحو هذه البقعة التي نسكنها، فسنجد أنفسنا أمام بيئة تتركنا نقف مشدوهين أمام خصوبتها، خصبة بشتى أصناف العنف.
ليس هناك صنف قد يخطر ببالك إلا ويتوفر لدينا بغزارة شديدة، سواء كان عنف لفظي أو جسدي، ليس هناك أنثى في مجتمعنا لم تتعرض للعنف، وهذا أمر أقبل التحدي فيه، فهو لدينا يتخطى نطاق الأسرة والتمييزفي العمل، ليتحول بطريقة غير معلنة إلى سياسة ممنهجة يتبعها مجتمع بأكمله، ليس منا من لم تتعرض لكلمة خادشة تهين أنوثتها في الشارع، او تستنقص من قيمتها في العمل بين زملائها، ليس منا من لم تتعرض للسب أو للشتم والطعن في شرفها على مواقع التواصل الاجتماعي لتعليق كتبته في صفحة عامة أو لصورة شخصية اختارتها ممثلة لهاعلى تلك المواقع، تلك الحالة العامة والأكثر شيوعًا، أما عن الحالات التي تأتي بعدها فهي حالات التحرش والاغتصاب التي انتشرت مع انتشار الفوضى الأمنية، وحالات القتل والاغتيالات التي يكون سببها إما طمعًا في مال أو انتقامًا من موقف سياسي معين، وأمام كل تلك "الثروة" المهولة من القصص الخصبة التي لا تكفيها مجلدات للكتابة عنها لا نستطيع تجاهل سؤال جوهري، هل صور العنف تلك موقوفة على النوع الاجتماعي حقًّا؟ هل هي "امتياز" تختص به النساء والفتيات؟
كنت على وشك كتابة قصة تناسب هذا الحدث العالمي، إلا أني تلقائيًّا وجدتُ نفسي أقدم أسبابًا لحدوث هذا التعنيف، وأُعَمّمه ليشمل الرجال أيضًا، وأدركتُ بأن السيناريو الذي أنوي كتابته في كل الأحوال سيُعتبر تبريرًا للعنف، خاصة إن كان من جهة "أشقائنا" الرجال، ناهيك عن العنف الناتج عن العنف؛ عندما تكون الأنثى هي الجانية والمجني عليها في آن معًا!
أؤمن بأنه لا مبرر للعنف؛ ولكني في ذات الوقت أؤمن بأن هذه الظاهرة عندما تكون ممارسة من قبل المجتمع ككل فالأمر يدخل في نطاق القضايا العامة، قضية بحاجة إلى النظر فيها على مستوى الدولة ودراسة أسبابها ومعالجتها من الدائرة الأصغر المتمثلة في الأسرة إلى الدائرة الأوسع على الإطلاق: أجهزة الدولة، وما سأورده حالًا لا ينطبق على المجتمع الليبي فحسب، بل على جميع المجتمعات التي تعيش في نزاعات وفوضى سياسية واقتصادية وأمنية، ويفسر انتشار ظاهرة العنف فيها خاصة، وهذا ما أوردته تقارير الأمم المتحدة، حيث ربطت معدلات العنف المرتفعة ضد المرأة بانتشار الصراعات. فنحن لا ننتمي للمجتمعات المرفهة كي نطالب بحقوق امرأة يتعرض أبوها وأخوها وزوجها وابنها للعنف يوميًّا، إذ كيف تكتفي بِرَيّ بُرعم صغير في أرض بور، ثم تطالبه بالنمو والازدهار؟!
على صعيد المجتمع، وبغض النظر عما قد يتعرض له الرجل الليبي في طفولته من عنف أسري من قبل الآباء أو الأمهات –وهو ما تتعرض له شقيقته أيضًا-، فهو عُرضة للضرب والإهانة بدءًا من طابور المدرسة الصباحي، وانتهاءً بطوابير المصارف والسلع التموينية المدعومة، وطوابير البنزين، وهو عُرضة للاعتقال والخطف والاغتيال لفكر سياسي أو موقف ديني، أو القتل لمجرد كونه مقتدر ماديًّا، الرجل الليبي يعاني من صراع بين رغبته في البقاء حيًّا لأجل أسرته والتي سيدفع كرامته ثمنًا لها معظم الأحيان، أو الانجراف وراء حميته وغضبه لأجل تلك الكرامة فيدفع حياته ثمنًا لذلك، وأمام كل هذه الصراعات وتلك التناقضات التي ينشأ فيها، تقف المرأة إما عبئًا إضافيًّا، أو ذراعًا مساندًا، وفي الحالتين فهي معرضة للتعنيف من قبل هذا الرجل الذي قد لا يجد وسيلة للتخفيف من حجم التناقض والغضب المكبوت بداخله إلا بتوجيهه نحوها، إما قولًا أو عملًا، باعتبارها العنصر الأضعف في الأسرة.
وهو لا يوجه غضبه المكبوت وقهره هذا فقط تجاه نسائه، بل تجاه كل نساء بلده اللاتي يلتقي بهن في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، فينفجر غضبًا حين يجد فرصة عمل متاحة فقط للنساء، ويصب حممه الملتهبة على تلك السيدة الليبية التي نجحت في عمل ما أو في مؤتمر دولي هنا أو هناك، طاعنًا في شرفها وشرف عائلتها التي تركتها تخرج "سافرة"، ولا يفوته أن يضع منشورًا هنا أو هناك هازئًا منها كسائقة للسيارة أو مربية أطفال أو زوجة، ملحمة لا تنتهي ولا نعرف تحديدًا متى كانت بدايتها، تبدو ببساطة وكأنها ملحمة أزلية، ملحمة شاركتْ فيها المرأة في كثير من الأحيان بنقل العنف الواقع عليها إلى نساء أخريات.
بالطبع ليس كل رجالنا هكذا، والفارق بين رجل وآخر هو المعالجة التي اتخذتها الدائرة الصغرى "الأسرة" لتربيته حين كان طفلاً وتوجيهه نحو نبذ العنف، وأنه لا فرق بينه وبين أخته فلا يحق له أن يمد يده عليها أو يهينها لمجرد كونها أضعف منه، ومازالت تلك الأسرة "المسالمة" عبارة عن حظ يتمتع به بعضنا ويُحرم منه كثير منا، ومازال العبء كله يقع على كاهل الأم، ويبدأ عندها؛ ولكن تظل مجهوداتها فردية أمام مجتمع يتسم بالعنف.
إذًا، في طريقنا نحو مجتمع لا ينبذ المرأة ولا يعنفها، وبموازاة ذلك، علينا السعي أيضًا نحو مجتمع لا ينبذ الرجل ولا يعنِّفه، مجتمع يُعامَل فيه كلاهما كإنسان تُحتَرم آدميته، عندما يتحقق هذا الأمر بإمكاننا المطالبة بحقوق المرأة منعزلة، واعتبارحوادث العنف ضد النساء والفتيات حالات شاذة عن طبيعة المجتمع، يمكن معالجتها على نطاق مؤسساتي تدعمه مجهودات النساء والرجال جنبًا إلى جنب، يلونون معًا عالمهم بالبرتقالي.

تعليقات
إرسال تعليق