تصفيح مزوّر


 

*نُشرت على فاصلة 2018

"هو خيط وأنا حيط"، الأنشودة القصيرة التي رددتها مع فتيات الجيران عند بيت الجارة وكبرتُ وأنا اعتقد ان ما قامت به جارتنا حلومة معي  مجرد لعبة جماعية، لا أذكر منها إلا بضع تمرات أكلناها بعد أن قفزنا فوق صندوق مغلق بقفل ما، ورددنا خلالها هذه الكلمات التي اعتبرناها أغنية، وإذا بها تعويذة لحماية عذريتنا من الانتهاك.


قالت لنا رددوا: "أنا حيط وهو خيط"، رددناها، ثم ضُرِبنا على مؤخراتنا الصغيرة وأكلنا تلك التمرات، لا أذكر الكثير فقد كنت بعد طفلة في الخامسة من عمري، ومن بين الفتيات كانت من تكبرني ومن تصغرني، استمتعنا باللعبة في حضور أمهاتنا، واعتقدنا بأننا سنكررها، ولكن هذا ما لم يحدث، كل ما هنالك أن أمهاتنا بتن تلك الليلة قريرات الأعين،  سعيدات راضيات مطمئنات على مستقبل بناتهن، فأجسادنا لن تنتهك، ولم تدري أن هناك ما ينتهك من غير اللحم الطريّ، فلم تكن تعلم أمي المسكينة أن هذا بالذات ما دفعني لارتكاب الحرام، وأن الحمل غير الشرعي الذي حملت به كان نتيجة للثقة التي منحناها لجارتنا حلومة، وللجني الذي ظننا أنها سخرته لحماية عذريتي!


لم أعرف حقيقة أن تلك اللعبة كانت عبارة عن عملية تصفيح مدرعة لبكارتي إلا حين دخلت المرحلة الثانوية، عرفتُ حينها أن أمي وضعتْ ثقتها في "جني"؛ لأنها لم تكن واثقة من تربية بعض الأمهات لأولادهن المنجرفين وراء غرائزهم، ولكنها دون أن تشعر، جعلتني بدوري أضع ثقتي في هذا "الجني"، سهَّلتْ علي الانسياق  وراء فضول شهواني جرني إليه ابن الجيران، تبعته وأطعته من باب الفضول مطمئنة إلى أنها مجرد تجربة لن تكون لها أية عواقب، فانا حيط، وهو خيط! ونسيت عواقبي التي تنتظرني عند من لا تأخذه سنة ولا نوم، فإذا بذلك الجني يخذلني، يخذل أمي وخالتي حلومة، فقدت عذريتي وحبلتُ بطفل لا ذنب له إلا أن أمه اعتقدتْ بأن ضمان بكارتها يكفل لها حق التجربة، ونسيتْ بأن لكل تجربة ثمن بقدرها، وأنني نشأت على الخوف من انتهاك العرض، والخوف من خسارة غشاء لا فقدان كرامة، ولا صون لخلق.


بكل سذاجة، أجبتُ بالنفي حين سألتني طبيبة النساء التي عاينتْني إثر تأخر عادتي الشهرية عن كوني متزوجة، فهيئتي لم تكن هيئة امرأة متزوجة انا التي ذهبتُ إليها بزيي المدرسي! تأملتني مليًّا، مسحتْ بطني من ذلك السائل اللزج، طلبتْ مني تعديل ملابسي، أشاحتْ بوجهها وهي تخبرني بأني حامل في شهرين! شعرت تلك اللحظة بتنميل في رأسي، وبوخز في معدتي، وبجفاف في حلقي، كدتُ أفقد وعيي، ولكن الطبيبة لم تعاملني بازدراء كما توقعت، تجنبتْ فقط أن تقع عيني في عينها مجددًا، وكأي حالة حمل، كتبت لي وصفة بالفيتامينات التي علي تناولها للمحافظة على سلامة طفل لن يرغب به أحد، وللمحافظة على سلامتي أنا التي سيرغب الجميع في قتلها إذا ما عُلم الأمر، سألتها كيف يمكنني إجهاضه، أخبرتني أنه قد فات الأوان، مهنيا وأخلاقيا يُمنع إجهاض هذا الطفل في هذا العمر من الحمل، تبًّا للمهنة وللأخلاق! كيف تحدثني عن الأخلاق وانا زانية تحمل في بطنها خطيئة في صورة آدمي لا ذنب له!


أن يموت الآن أفضل له من أن يُرمى لحمًا أحمرًا عاريًا في مكب النفايات ليلا، او أن يوضع عند باب مسجد او باب دار الرعاية، فلا أحد سيتقبله حين يكبر، لأن العرق دساس!


لم آخذ منها الوصفة، لم أزد معها كلمة واحدة، انطلقتُ وانا لا أعرف ما عساي فاعلة بنفسي؟

ذهبتُ إليه لأخبره، ولكنه فقد شهيته حتى للنظر إلى وجهي بعد أن نال ما ناله مني، أبتْ نفسي التذلل إليه.


فتاة مثلي اعتبرتْ الرقيب عليها جني يحميها من طيشها، كان الأجدر بها ألا تُصَفّح! لعل خوفي على ذلك الغشاء الرقيق كان سيدفعني إلى حماية نفسي بنفسي وصونها. صفّح جسدي في سن مبكّرة، وانتهك لاحقًا كل شيء.


من تراه يحصّنني الآن وطفلي من مجتمعي وعاداته وعقابه؟

تعليقات