*نُشرت على فاصلة 2018
لطالما آمنتُ بأني وزوجي الحبيب في منأى عما تتداوله الألسن في التجمعات النسائية من خيانة زوج فلانة لها، وصدمتها به يأتيها بعروسه كي تتعارفان، وبات الأمر أشبه ب"الموضة"، كانت ترميني إحداهن بين الحين والآخر بتحذيراتها، "الرجالة مالهمش أمان"، "وماتحسابيش الصغار يشدوه"، فأضحك بشدة مما اعتبرته حضيضًا فكريًّا لن أنزل بزوجي إليه، لن أفتش هاتفه، لن أُلَمِّح له ولو مجرد التلميح بشكي حياله مهما طالت جلساته أمام الشاشة المستطيلة الصغيرة تلك.
"تزوجنا عن حب"، يقهقهن حين أبلغهن بخالص ثقتي فيه تحت هذه الحجة، يخبرنني بأن الرجل حين تكثر نقوده "تشيان مرته ويضياق حوشه"، وزوجي ذو حال ميسورة، و"الشرع حلل له أربعة" و "قلب الرجل يتسع لعدة نساء"، ولم أبالِ.
كففتُ عن تبرير ثقتي به لهن، واكتفيتُ بهز رأسي موافقة اضطرارًا كي أجنب نفسي عناء شرح مايجمعني بهذا الرجل الرائع، أو كما بتُّ "أظنه" رائعًا!
صحيح، "للزن" تأثير السحر، إذ بدأت ذرات الشك تنغرس تدريجيًّا في صدري، وبت أشعر بجذورها تتعمق في أحشائي، وبسيقانها تنبت لتعبر حلقي، سمحتُ لنفسي ذات يوم أن أعبر عن امتعاضي من جلوسه الطويل أمام التطبيق "الأزرق"، مخرب البيوت والعلاقات حسب الإحصائية التي ابتدعتها النساء في آخر "لمة" حضرتها، استغرب ملاحظتي، ولكنه لم يلقِ لي بالا.
لم يصدر فعلي هذا عشوائيًّا، حدث الأمر بعد أن عبّرتْ إحدى الفتيات العزباوات في "اللمة" عن إعجابها الشديد بالعلاقة التي تربطني وزوجي رغم أني لم أتحدث معها في الأمر إطلاقًا من قبل ولا حتى مع والدتها التي لم تنتبه لجرأة ابنتها إلا لاحقًا، أخبرتني بكل صراحة بأن زوجي رجل "كامل مكمل"، وأني محظوظة به، وكأني لم "أملأ عينها"، وشعرت بدغدغة طفيفة في معدتي حين تمادتْ في تعبيرها عن إعجابها لتلفت نظري إلى براعة زوجي في كتابة بعض المنشورات في مجموعة مختصة بالمطاعم والمقاهي في مدينتنا، أنا لا أعرف عن هذه المجموعة، ولا أعرف ما الذي يكتبه زوجي فيها، ولا أعرف أية مطاعم التي يتحدث عنها ونحن لا نخرج لا إلى مطاعم ولا إلى مقاهي، إذ يدَّعي زوجي بأنه لا يحتمل أن أجلس في ازدحام مختلط رجالا ونساءً، وبأنه يخشى أن "يكحل" أحدهم عينيه بجمال طلتي! وأنا أصدقه، ليس لثقتي بجمالي، ولكن لأني أؤمن بأن المحب يرى محبوبه أجمل العالمين.
انتبهتْ والدة تلك الصبية "المعجبة" بزوجي إلى فحوى حديث ابنتها فقرصتها على فخذها، كأني لا أرى، وما زاد ذلك بذرة الشك إلا انغراسًا.
ليلتها أبديت له ملاحظتي العابرة تلك، وغاظتني لا مبالاته، جلستُ إلى جواره وطلبتُ منه أن يريني المجموعات التي يشارك فيها، فنفى لي مشاركته في أي مجموعة، أردتُ إغاظته بعد أن انتبهتُ إلى أنه يضع أجمل صوره الشخصية في حسابه، وانتبهتُ إلى أن تلك الفتاة قد تكون في هذه اللحظة –وفي كل لحظة- متابعة جيدة لكل ما ينشره في صفحته لا فقط على المجموعة (إن صدق زعمها وكذب هو في أمر المجموعة)، شاكسته، أخبرته بأني سأضع أيضًا صورتي الشخصية، وأنا أدرك مدى رفضه لهذا الأمر، التفتَ نحوي رافعًا أحد حاجبيه، "أنا راجل ما فيش حد عنده ما يدير بصورتي، لكن انتي بيكحل فيك مليون واحد مريض"، إجابة معروفة حفظتها عن ظهر قلب، أردف مغلقًا هاتفه ملتفتًا بالكلية نحوي مداعبًا لي، واعدًا إياي بلحظات عذبة على بعد دقائق من الآن "أنت ملك مقدس"، قالها متوددًا، وأنا سمعتها وأبرقتْ فوق رأسي شرارة فكرة عزمت على تنفيذها.
بعد أن استسلم للنوم، تناولتُ أحد أقلام ملمع الشفاه الملونة، الأحمر الفاقع، بدأت أسطر فوق جبهته أول أحرفي، انتبه، احتضنته وتظاهرتُ بينما واصلت كتابتي بأني أتهجأ الكلمات التالية : "ا نـ حـ بـ ك هـ لـ بـ ـة"، ابتسم ظانًّا بأني أتابع اللحظات الحميمة، لم يكن يدري أني في سري كنت أتهجأ كلمات أخرى.
صورته بكاميرا هاتفي، ولم يبالِ المسكين...
ظهيرة اليوم التالي، وقبل أن يطالع بنفسه جديد حائطه على مخرِّب البيوت "الأزرق" ذاك، انهالتْ عليه التعليقات الساخرة من زملائه، والابتسامات الهازئة من بعض زميلاته، انهالت على مسمعه كلمة "ملك مقدس" وكأنها كنيته، لم يفهم الأمر إلا بعد أن فتح آخر إشعاراته، فإذا بصورته مشار إليه فيها –من جهتي-، مختوم على جبهته ختم الملكية الخاصة الشائع والمعتمد في بلادنا؛ "ملك مقدس".
في الليلة التالية، بتُّ في بيت أهلي، بعد مشاجرة عريضة مع أبويّ وإخوتي.
تعليقات
إرسال تعليق