نُشر على فاصلة 2017، إثر الضجة التي تلت صدور كتاب "شمس على نوافذ مغلقة"
قبل بضعة أشهر، صدر كتاب يضم عدة أقلام شابة ليبية، لشباب وشابات استفزتهم أزمات بلادهم السياسية والاقتصادية والأخلاقية لإبداع نصوص دخلوا بها عالم الكتابة.
الكتاب مكون من أكثر من 100 نص، بمشاركة أكثر من 20 كاتب وكاتبة، تتراوح أعمارهم بين العشرينيات وأوائل الثلاثينيات، احتوى الكتاب على نصوص كُتبتْ معظمها منذ حرب 2011 وما تلتها من حروب ونزاعات أكسبتْ هؤلاء الشباب خبرة متقدمة عن أعمارهم، تفجرتْ في صورة نصوص نثرية وشعرية وقصص، ونص واحد كان عبارة عن جزء من رواية، هذا النص أحدث ضجة عارمة، رغم أن روايته صدرت منذ خمسة أعوام تقريبًا! لم يعرف أحد في ذلك الوقت شيئا عنها، فلم يكن هناك “ثقافة” فيسبوكية منتشرة، ولم يكن هذا الشعب “المحافظ” قد تعرف بعد على خاصية النسخ واللصق وحفظ الصور وتصوير الشاشة بعد.
عندما قرأت النص المعني، صُدمت بالصراحة التي انتهجها الكاتب لا أنكر، لم يعجبني لأنه مكتوب بالعامية وأنا أكره قراءة كتاب ورقي مكتوب بالعامية، ولكني تجاوزته وانتقلتُ لبقية النصوص، هكذا بكل بساطة، فالكتاب يشبه المجلات والصحف، أنت لا تقيمها بناء على أول خبر، أو أول مقال، لأنها خليط متنوع، هذا الكتاب غير قابل للتقييم، عليك أن تقيم نصوص كل كاتب على حدة، كأنه مجلد اجتمعت فيه عدة كتيبات لعدة كتاب.
لستُ هنا بصدد الحديث عن محتوى ذلك النص الذي استفز حياء المؤدبين، وقليلي الأدب على حد سواء! لست بصدد الحديث عن جدوى أو لاجدوى هكذا نصوص، لست بصدد الدفاع عن كتاب يحوي أكثر من 500 صفحة منعته هيأة “الثقافة” من التداول (إثر الهجمة الفيسبوكية) بسبب 6 أسطر في نص واحد، أو عن أسباب كل تلك الزوبعة التي لم تطل كاتب النص بعينه بقدر ما طالتْ بقية الكتاب، وبالأخص الكاتبات المشاركات في الكتاب، تمت مهاجمتهن بالرغم من أن كاتب النص “رجل” وليس “امرأة”، وهنا مقصدي، عن الكاتبات أريد أن أتحدث.
وكالعقبان التي تبحث عن الجيف، راق هذا الحدث لمدمني السب والشتم وقاذفي الشرف من مواطني الفيسبوك الجبناء، الذين يجدون في شاشات هواتفهم أو حواسيبهم درعا يحميهم من الملاحقة القانونية للتشهير بأولئك الكاتبات والقذف في شرفهن وشرف عائلاتهن.
جمعتْ جوقة التشهير والقذف تلك عدة أصناف من الشعب الفيسبوكي، اشتركوا جميعا في صفة واحدة، أنهم لم يقرؤوا من الكتاب إلا تلك الأسطر التي قام فاعل خير (أو فاعلة خير وفق اللون ال”بمبي” الذي تم تأشير الأسطر به) بتصويره ونشره، وبدا لي أن حياءهم من قراءة النص لم يمنعهم من نشره!
هناك الصنف الذكوري، الفحولي، الذي يبحث عن بيئة قذرة كي يتغوط فيها بقذارته الخاصة، هذا الصنف -ويا للمفارقة- استخدم في شتم الكاتبات المشاركات نفس الألفاظ الموجودة في النص المعني! الفرق أنه كتب الألفاظ النابية بحروفها الكاملة، في حين تم اقتصاص حرفا من بعض تلك الألفاظ في الكتاب وتعويضها بنجمة كهذه (*) . هؤلاء لا يعلمون حقا هل صاحب تلك الأسطر كاتب أم كاتبة، ولكنهم أرادوا السب للسب فقط لا غير.
هناك الصنف الأنثوي الغيور، القوارير التي تُزين مداخل البيوت أو المطابخ، هذا الصنف الذي يكره النجاح لبنات جنسه! احتلت صفحات “نسائية” ليبية مناشير تتهم الكاتبات بالفسق لمشاركتهن في هذا الكتاب الملوث بتلك الأسطر! نسيتْ مديرات تلك الصفحات أن في الكتاب كتَّابًا ذكورا أيضًا! أرادتْ أن تغلف إحداهن هجومها على الكاتبات بتشبيه ما حدث بدبابة فجرتْ بيتًا، قالت: هل نلوم فقط من ضغط على الزناد أم نلوم كل من ركب الدبابة؟ ! نسيتْ صديقتنا أن الدبابة صُنعتْ لكي تكون وسيلة تدمير، أما الكتب فهي وسيلة دفع للأمام، وسيلة بناء، فهل اطلعتْ صديقتنا على نصوص الكاتبات كي تقرر هل كانت نواياهن التدمير أم البناء؟ قطعًأ لا.
وهناك الصنف الذي يدعي بأنه مثقف، إذ أن ثقافته المستوردة وتأثره بكل أدب -عدا الأدب الليبي- حالت بينه وبين الإلمام بما يعانيه الكاتب الليبي، الصنف الذي لا يعرف من الكتاب الليبيين إلا النيهوم والكوني ومطر، فقد سمع عنهم ولم يقرأ لهم، مشغول بقراءة الأدب الروسي ربما أو الفنزويلي! هذا الصنف اتهم الكاتبات بالإهمال، قالوا: كان ينبغي عليهن الاطلاع على بقية النصوص التي ستشاركهن دفتي الكتاب قبل الموافقة على النشر. لا يعلمون أن الكاتب الليبي، ناشئا كان أو محترفا، ليس في وضع من الترف بمكان يسمح له بوضع شروطه على الناشر أو المحرر، ولهذا السبب تُنشر وتُطبع مُعظم الكتب الليبية -القليلة أصلا- خارج ليبيا، لمن استطاع منهم إليه سبيلا.
بلغتْ سيمفونية السب والقذف ذروتها حين طالت حتى قارئات الكتاب، والمدافعات عن الكاتبات، اتُّهِمتْ كل قارئة بالفجور، أحدهم كتب تعليقًا وقفتُ أمامه طويلا: “ضحكوا عليهم بديسكة الأدب والكتابة”، معك حق يا صديقي، كان عليهن ألا يلتفتن لترهات الكتابة والأدب، كان الأجدر بهن أن يتفقهن في “علم البيان في إعداد الكرشة والعصبان”، أو ربما كان الأجدر بهن ألّا يتعلمن القراءة والكتابة من الأساس، لماذا يتعلمنها إن كان الرجال قد تعلموها وكفى بهم معلما ونصوحًا؟
لو كنا في عصر الجاهلية، لكان المنضمون لجوقة السب والقذف تلك هم أنفسهم أنصار وأد البنات، خلاصة المناشير والتعليقات المهاجمة كلها تصب في خانة “وأد الكاتبات”، من لم يقلها بطريقة مباشرة كصاحب التعليق أعلاه كتبها بقذارة ألفاظه في حق آباء تلك الكاتبات وأهاليهن، وكأنه بسبهم يبلغهم رسالة واحدة: لا تجعلوا بناتكم تكتب، حتى وإن لم تكن لهن علاقة بالنص المعني.
وفي النهاية، فقد بلغتْ قذارة الحرب التي أُعلنتْ ضد الكاتبات مستوى أعلى من مستوى السطور التي سببتْ هذه الحرب.
لكن دعوني أنهي بعضًا من غيظي بالرسالة التالية:
أيها المارون فوق الكلمات العابرة، اجمعوا قذارة ألسنتكم وانصرفوا
فإن بلغتْ قذارتكم عنان السماء، في بلادي ستكتب النساء
آن أن تنصرفوا!
تعليقات
إرسال تعليق