*نُشرت على فاصلة 2018
"زيك زي النساوين" تتصدر قائمة أكثر الجمل التي رافقت عامي الأول من الزواج! كادت أذناي ألا تعرف غيرها، لكن جملة أخرى زاحمتها، "الزواج استقرار"، كم أتمنى أن أقابل من أشاعها، أريد أن أفهم منه أي استقرار يقصده؟! اللهم إلا استقرارنا على "النشاف"!
فأنا لم أعرف الاستقرار -حسب فهمي- حقا إلا قبل زواجي، خلال سنوات دراستي، ومن ثم عملي، إذ كان كل شيء محسوبًا بدقة، فيما عدا تلك الظروف القاهرة والطارئة التي كانت تزعجني بسبب الربكة التي تحدثها على نظام حياتي.
وكنت أحلم بمملكتي الخاصة، أنتظر الزوج المنقذ، وأعتقد بأني أملك الحق في تجاهل كل تلك المجاملات الاجتماعية وفق بروتوكولات مجتمعنا بمجرد تتويجي كـ "مدام"، فأنا وحدي سأكون صاحبة الأمر والنهي، وهذا الشأن الوحيد الذي لم أحسبه جيدًا في حياتي.
تزوجتُ من أرضَى عقلي وقلبي معًا، وجدتُ في شخصيته تفردًا، تفاهمنا حول كل شيء إلا أمرًا واحدًا اعتبرته بديهيًّا لدرجة عدم الحاجة لمناقشته؛ استقلاليتي.
لم أبالِ كثيرًا بالفوضى التي عصفتْ بحياتي في الشهر الأول، اعتبرتها حالة مؤقتة، المباركون والمباركات في كل وقت، العزائم والولائم عند القريب والبعيد، الانتقادات والملاحظات التي تعلقتْ بلباسي وطريقة وضعي لمساحيق التجميل، ما ينبغي وما لا ينبغي علي فعله عند زيارة بيت الأسرة والأقارب، ازدحم رأسي بشدة في ذلك الشهر، خفت نسيان أيًّا من تلك الملاحظات وبالتالي الوقوع في فخ الاعتقاد بأني "متمردة"، ولا أعرف ما دفعني للخوف من ذلك، هل فقدان زوجي الذي كنت في ذلك الشهر أتعرف إليه من جديد؟
حرفيًّا، وجدتُ نفسي طيلة الأشهر الأولى من زواجي أحاول التعرف عليه مجددًا وسط أهله، كان يملك شخصية مختلفة، اهتمامه بطموحاتي وتشجيعه السابق لي بمواصلة الماجستير وتطوير نفسي مهنيًّا انقلب إلى الضد، أنهكني بطلباته حول الاتصال بكل فرد من أسرته، وبزيارة هذه لإجرائها عملية على "اللوزتين"، أو زيارة تلك بمناسبة "طهور ابنها"، أو المبيت عن الأخرى التي تجهز لحفل خطوبة ابنتها، ناهيك عن العزائم والولائم التي أبدى فيها كرمه، وذهبتْ طموحاتي أدراج الرياح.
كثر تغيبي عن العمل، فاضطررتُ لتقديم استقالتي، أوقفت "قيدي" في الكلية وأنا لم أبدأ بالفصل الدراسي الأول بعد لبرنامج الماستر.
أما زوجي، واجهته مرة بالتباين الشاسع بين ما كان عليه وما صار عليه، لم أتحصل منه على إجابة بل على تساؤلات مراوغة:
"أنا قلتلك وقفي قيدك؟ أنا قلتلك سيبي العمل؟"
"لا! لكن ما عطيتنيش المجال، ما ساعدتنيش، نحسابك بتعاونني، هريتني بالزيارات والعزومات والبيات عند اهلك واقاربك" ..
قلت الكثير، لم أعد أذكر، اعتبر هو ثورتي هذه عرض من أعراض الوحم الذي كنت قد بدأت أعانيه.
كانت إجابته طيلة عام كامل، بمناسبة وبدون مناسبة، في الميلود، في المناسبات الاجتماعية للبعيد والقريب، في رمضان، في عيد الفطر وعيد الأضحى، إجابة واحدة أمام تذمري:
"زيك زي النساوين"
زوجي العزيز يخشى أن أكون مختلفة عن "سلفاتي"، يخشى أن ينزل علينا غضب السماء إن لم أكن موافقة للشروط واللوائح التي ينبغي أن تكون عليها الكنة!
يفصلنا عن رمضاني الثاني بعد زواجي أقل من أسبوع، صارحته بأني أرغب في أن أفطر في بيتي، وبأني أرغب في التفرغ للعبادة.
"ما حد قالك ماتصليش التراويح والا ما تقريش قرآن، حتى عند أهلي تقدري اديري هكي"
"عندي بيبي توة، عندي مسؤولية جديدة، في حوش اهلك ما نطلعوش حني الكناين من الكوجينة، ولما نكملوا الحوسة نبقى طايبة وماعنديش جهد نصلي ونبدا نخمم في مرواحنا وموضوع السحور وانا عين مغمضة وعين مفتوحة، علاش ما نفطروش مرتين ثلاثة عندهم وبس؟ علاش ما تكونش زياراتنا بعد التراويح مرة مرة نسهروا وكل واحد رايق ومكمل حوسته؟"
"زيك زي النساوين"
"لا .....! "
قلتها بحدة، بصوتٍ عال خُيِّل إلي أنه لم يخرج من حنجرتي لولا شعوري الفوري بأن حبالي الصوتية توشك على الانقطاع.
"وطي صوتك تو يسمعوك الجيران"
الجيران الذين هم إخوته وأسرته
"لا.. مش زيني زي النساوين! هذي حياتي وأنا حرة فيها، ما تحاولوش تصنعوا مني نسخة من الثانيات، ياسر.. ياسر!"
وجدتُ نفسي أدخل في جدال تجاوزنا فيه موضوع الإفطار في رمضان إلى رغبتي في العودة للعمل، ومواصلة الماجستير، ورغبتي أن أعد "عصباني" لوحدي في العيد لا مع العائلة، ورغبتي في أن أشتري لابني الحليب والحفاظات التي أراها مناسبة لا تلك التي تستعملها "سلفتي"!
حين ذهبتُ لبيت أسرتي غاضبة، تم تصنيفي كزوجة نكدية لأني اخترتُ مطلع شهر مبارك لافتعال مشكلة "تافهة"، اعتُبِرتُ أنانية، اعتُبِرتُ "قطعية"! هذه التهم لم أسمعها منه هو أو من والديه، بل سمعتها من أهلي.
سألتهم: "انا متزوجاته والا متزوجة عيلته؟"
وبختني والدتي: "زيك زي النساوين"!
تعليقات
إرسال تعليق