أحرش ناعم


 

*نُشرتْ على فاصلة 2018

أول يوم ارتديت فيه الحجاب أخبرني الجميع، حتى إخوتي، بأني بالحجاب أجمل! في الحقيقة أربكتني ملاحظتهم؛ ألا ينبغي أن يخفي الحجاب محاسني بدلا من أن يزيدني جمالًا؟ ولكني أفهم قصدهم، فصاحبة وجه جميل مثلي، ولكنها في نفس الوقت صاحبة شعر جاف جدًّا، صلب وقاسٍ جدًّا، يبدو للناظر كحلوى الصوف التي يهواها الأطفال، لا بد من أن تبدو بالحجاب أجمل! تحجبتُ في الحادية عشر من عمري، ولا أذكر الآن ما دفعني حقًّا لذلك، هل تحجبتُ تقربًا لله أم تقرُّبًا لعباده؟ هل تحجبتُ حقًّا لإخفاء محاسني أم لإخفاء عيوبي؟

حين أصف نفسي لأحدهم، وأصل للنقطة التي أصف فيها شعري، غالبًا ما أستخدم أسلوب التمويه، فأقول بأن لي شعرًا "مجعدًا" وأكتفي بهذا القدر، فالمستمع، خاصة إن كان أحد الذين أُخذوا بِجمال وجهي، لن يخمنوا مقدار هذا "التجعد" الذي أتحدث عنه بثقة، لو أردتُ أن أكون صريحة لوصفته بشجاعة بأنه "أحرش"؛ ولكن شجاعتي لطالما خذلتْني.

أذكر رؤيتي لصورة في إحدى المجلات لفتاة بشعر مجعّد "إلا ربع" مستلقية على أرضية تضحك، وكأنها تتباهى بشعرها، حسدتها على هذه الثقة، لدرجة أنني عقب مشاهدة تلك الصورة مباشرة، نقعت شعري في حمام من زيت الزيتون، تأفف إخوتي مني، ولم تلتوِ منه حتى شعرة واحدة! ولا أعلم السر الذي يصلون به إلى تلك المرحلة حتى يومنا هذا، ربما قرار تحجبي كان قرارًا جبانًا لا قرارًا شجاعًا كما يبدو لأول وهلة لفتاة مثلي.

أذكر أيضًا ذلك الفتى الذي كان يترصد لي عقب خروجي من مدرستي الإعدادية عائدة لبيتي، لم يكن يسكن بعيدًا عنَّا، وعندما حانت تلك اللحظة التي انتظرتها، استجمع شجاعته وتجرأ لمخاطبتي حاملا لي رسالة لازلتُ أحتفظ بها، لفت نظره بعض من شعري الذي ظهر له بسبب انحناء الإيشارب بعد يوم دراسي مرهق، فصرف النظر عني، وأعتقد أنه ربما أراد استرجاع رسالته تلك، أخبرتني بهذا ابنة الجيران، فقد كانت صديقة مقربة لشقيقته.

لم أتألم لانصرافه عني لهذا السبب، ولكني تألمتُ من نقطة الضعف هذه التي استغلتها ابنة الجيران ذات مرة حين تشاجرنا، فما كان منها إلا أن عايرتني بشعري الذي "يطفش" المعجبين، وواجهتني بحقيقة ربما أخفيتها عن نفسي؛ قالت: "أصلا لهذا السبب أنتي تحجبتي" وبأن شعري يصلح لأن يكون "ليفة حرشة" تكُدُّ بها والدتها "طنجرتهم المحروقة"! صحيح أني رددتُ لها الصاع صاعين إذ قلت لها: "على الأقل اعترفتي بحال (طناجركم) وهذا يبرر نحافتك الشديدة يا مجعّكة!"، إلا أن هذا لا يبرئ جُرح مُراهقة في ذلك العمر، خاصة أن عبارات كتلك التي قالتها ابنة الجيران كانت تتردد كالصدى بين الحين والآخر عقب كل شجار لي معها أو مع غيرها، حتى بلغنا من العمر ما تجاوزنا فيه مرحلة المعايرة بما خلقنا الله عليه.

حاولتُ كثيرًا "ترقيع" مشكلتي هذه، مرة تبعتُ نصيحة صديقة؛ إذ نصحتني بكيّ شعري بنفس المكواة التي تُكوى بها الملابس، فاتها أن تنبهني عن درجة الكيّ، فما كان مني إلا أن أحرقتُ نصفه ومن ثم اضطرتْ والدتي لقصه كالصبيان، رائع أنني كنتُ محجبة حينها!

ولن أنسى استجداءاتي المتكررة وتوسلاتي لوالدتي بأن تسمح لي باستعمال "الكيراتين"، لعلي أجرب شعور الفتيات ذوات الشعر "العشبي"، حتى إن كانت فترة مؤقتة مداها ستة أشهر، ولكنها رفضتْ رفضًا قاطعًا، كيف لها أن تشعر بما أشعر به وهي تعاني من فرط نعومة شعرها!؟ ولماذا كنتُ الوحيدة من بين إخوتي التي ورثتْ خشونة شعر أبي؟

ولما حانتْ النظرة الشرعية لخاطبي –والذي هو زوجي الآن- جاهدتُ نفسي، ولملمتُ كل ما استطعته من شجاعة كي أتجنب حرق شعري بالمجفف، وقررتُ أني سأخرج له بطبيعتي، امتقع وجه أمي حين رأتني أنفذ ما عزمته، وأجزم بأنها في تلك اللحظة كانت قد "رمت طوبة" هذا العريس، إلا أن شجاعتي كانت نقطة قوة في نظر هذا الرجل الاستثنائي، بعد دقيقة من تبادل الأسئلة عن الحال والأحوال، نظر إلى شعري ثم قال: " يبدو أنه لا أمل لنا في تحسين نوع شعر أبنائنا" وأشار إلى شعره، ضحكنا معًا، ولا أعرف لماذا دمعَتْ عيناي لحظتها، لم تكن دعابته مضحكة حد البكاء!

لاحقًا بعد زواجنا، عندما كنتُ أنتقد خشونة شعري وأتذمر منها أمامه، كان يقول: " عادي، أحرش من برا، وناعم ولطيف من جوا" يقصد وجداني، وفي كل مرة كانت هذه العبارة كفيلة بإضافة طبقة جديدة في أساس ثقتي بنفسي.

اعتدتُ التعايش السلمي مع شعري، ولكني لازلتُ أتساءل؛ هل كان الدافع لارتدائي الحجاب هو إيماني، أم شعري؟

تعليقات