شغف أو طهقة؟

 


*نُشر على فاصلة، 2021

كم مرّة اعتقدت بأنك عثرت على شغفك الذي ستبذل لأجله جُلّ وقتك وجهدك ثم اتّضح لك لاحقًا بأنه مجرد فقّاعة ملوّنة ما لبثتْ أن انفجرت مع أول نسمة هواء؟


كم مرّة أخبرت نفسك بأن هذا العمل تحديدًا هو ما ستقوم به لبقية عمرك دون أن تشعر بأنك تعمل حقًّا، ثمَّ ما لبثتَ أن شعرتَ بأنك منحته أكثر مما يستحق من الحماسة؟


كثيرًا ما وقعنا في فخ الخلط بين ما نحن شغوفون به بالفعل، وبين ما نتوهّم أنه كذلك، أو ما نسميه عادة بـ"الطهقة"، فكيف يمكننا معرفة ما إذا كانت النشوة التي نشعر بها حين نكتشف أمرًا ما هي نشوة "شغف" أم أنها مجرد نزوة عابرة (طهقة)؟


>> لِمَ يحصُل الخلط بينهما؟


يحصل الخلط بينهما بسبب أوجه الشبه العديدة، مثلًا ستجد نفسك:

- مستعدًّا لبذل الجهد والمال لتعلّم المزيد حول هذا الأمر.

- تستمتع باستكشافه.

- لديك فضول كبير للاطلاع على أعمال من سبقوك فيه.

- تتكلم عنه وتفخر بخطواتك الأولى فيه.


>> كيف نميّز بينهما إذًا؟

 

بقدر ما يتشابهان، يسهل التمييز بينهما، وتلزمنا هنا بعض الشجاعة للاعتراف بهذا أمام أنفسنا، فما يحدد الفرق:

(1) الزمن: الشغف يستمر، الطهقة تختفي لذّتها بعد التجارب الأولى.

(2) نوع التعب: تعب الشغف تعب ذهني أو جسدي لذيذ، تعب الطهقة لو استمررت بالعمل عليها لارتباطٍ ما، يتحوّل إلى إجهاد نفسي فقط.

(3) سبب الهجران: لا يمنعك من شغفك إلّا ظرف قاهر (امتحانات أو عمل أو ظروف اجتماعية قاهرة)، أمّا الطهقة تتوقف عنها دون سبب.

(4) بعد الهجران: مع الشغف، ستُحسّ برغبة جامحة في الرجوع إليه، وتحسُّ بالعصبية أو التوتر كلما فكّرت في المدة الزمنية التي تطول بينكما؛ أمّا الطهقة فتتذكرها بحنين، دون تفكير جديّ في العودة إليها.


>> هل عليّ الشعور بالذنب إن اتّضح أني ضيّعتُ وقتي في المكان الخطأ؟


لا، عليك أن تجرب وتجرب، حتى إن اكتشفت أن ما تقوم به مجرد طهقة، فتكون اكتسبت خبرة وذكريات جميلة (هذا الكلام لا ينطبق على الشغف المتعلق بالعلاقات!).


وأكثر من ذلك؛ من الممكن جدًّا أن تتعدد "طهقاتك"، وإلى غاية الآن لم تكتشف شغفك، ولا تعرف أصلًا إن كنت صاحب شغف! ومن الممكن جدًّا أن تكون متعدد الشغف أيضًا. في الحالة الأولى أنصحك بالانفتاح أكثر للمزيد، والتجربة أكثر، لا تستسلم لأنك حرفيًّا لن تخسر شيئًا؛ أمّا في الحالة الثانية أنصحك بالتركيز ومنح 90% من وقتك وجهدك لأكثر ما تجد نفسك شغوفًا به، ولا تشتت تركيزك كي لا تخسر كل شيء.


>> كيف تحافظ على شغفك في سبع خطوات؟


اكتشفت شغفك إذًا؟ أرجو منك في هذه الحالة متابعة قراءة المقال، إذ يلزمك قليل من المجهود الإضافي للحفاظ على هذا الشغف، إذ إنَّ عثورك عليه لا يعني أنك لن تخسره!


(1) عليك أولًا فهم أن ممارستك لشغفك أيًّا كان لا علاقة لها بعمرك

فالعشق لا يعترف بالعمر، لا تقل كبرت عليه، أو ما زال الأمر مبكرًا، ابدأ من حيث أنت، فالشغف يمنح قلبك شبابًا جديدًا إن كنت ترى نفسك كبيرًا، ويمنحك نضجًا سريعًا إن كنت صغيرًا.


(2) ركّز على شيء واحد في كل مرة

لا بُدَّ أنّ شغفك يدفعك أحيانًا إلى الرغبة الجامحة في تنفيذ عدّة أفكار تداهم وجدانك، فتجد نفسك مشتتًا بين مسؤولياتك وبين كل تلك الأفكار التي تخشى أن تختفي إن لم تنفّذها فورًا، فتقع في فخ الإرهاق، وهو عدو الشغف الأول، عليك تجنب هذا الفخ بالعمل على مراحل صغيرة، لا يهم بطء العمل بقدر ما تهم جودته، وأن تصنعه بحب ومتعة، إياك أن يتحول شغفك إلى عبء مضاف إلى بقية أعبائك، وإن خشيت من نسيانك لفكرة ما فدونها في مفكرة خاصة بهذا الشأن.


(3) أعطه ما يستحق

في تلك اللحظات التي تمنحها لشغفك، مهما كانت صغيرة، عليك أن تمنح نفسك بالكامل إليه، ابتعد عما يشتت ذهنك، بقدر ما تمنحه من اهتمام، يمنحك إبداعًا. حافظ على تواصلك اليومي معه، وإن كان لوقت قصير خلال اليوم.


(4) امنحه الفرصة لكي يتطور

لا تؤطّر شغفك، إن كنت تكتب حاول أن تغير نمط كتاباتك بين حينٍ وآخر، إن كنت ترسم غير أسلوب وموضوع رسمك، إن كنت تصور غير أدواتك وخدعك، أعط شغفك الفسحة لتطوير نفسه، فالروتين يقتل كل أنواع الحب، مهما كان قويًّا.


(5) شاركه

عندما تشارك شغفك، ستجد أنّه يعمل كالمغناطيس، فيجذب إليك كل الأشخاص والأحداث التي تلائمه، ستجد نفسك تحيط نفسك بالبيئة التي تحفّزك أكثر وتحول دون وقوعك في فخ الملل والإحباط... (عائلة فاصلة مثال على هذه البيئة).


(6) اهجره هجرًا جميلًا

ما هذا التناقض؟ لا بد أن هذا ما ورد في ذهنك حالًا، اطمئن؛ أنا لا أدعوك إلى هجران محبوبك (شغفك)، بل أدعوك إلى فراق يسمح للشوق بأن يعتمل، للشوق أثر السحر على القلوب، فهو يحفز إنزيم الإبداع، ويجعلك تُقبل على محبوبك بعقلٍ صافٍ خالٍ من شوائب المنغصات الخارجية، اجعل هجرانك كإجازة من حين إلى آخر، أنت تحدد متى وكم مدتها، حسب وضعك النفسي، بشرط أن تمنح نفسك إجازة حتى من أعداء الشغف، مواقع التواصل الاجتماعي، وحالات النفاق الاجتماعي.


(7) وأخيرًا وليس آخرًا، اربط شغفك بهدف نبيل، لا تربطه بأهداف مادية، كي لا تقتله.


وبعد...

"فنحن عندما نعمل بجد من أجل شيء لا نؤمن به، فإنَّ هذا يسمّى إجهادًا، أمّا عندما نعمل بجد من أجل شيء نؤمن به، فإن هذا ما يسمى شغفًا".


هل اكتشفت شغفك؟ أم أنّك ما زلت تبحث عنه بين "الطهقات"؟


---------------------------------

- تدقيق | علياء بركة


تعليقات