الكرتون الذي أكرهه

 


*نُشر على فاصلة، 2019



إنه كلارنس؛ الكرتون الذي أكرهه لأن صغاري يحبونه!

يُعرّفونه على ويكيبيديا بأنه كرتون عادي واقعي، هكذا بكل صفاقة، لا يعلمون كم عانيت جرّاء هذا الكرتون غير العادي، فكلارنس هو طفل مرح ومغامر، لأم عازبة، تتحمل مسؤولية ابنها لوحدها، تقود السيارة وتعمل بجد في صالون حلاقة، تعود دومًا لبيتها متعبة، ترتبط لاحقًا برجل يدعى "تشاد"، يحبه كلارنس ويعامله كصديق لأنه يتصرف معه -ومع الجميع- كطفل لا كرجل، ولكي أكون أكثر دقة، فإن ما يغيظني بحق هو "أم كلارنس"، حين وُضِعتُ في محل مقارنة معها!


كلارنس فتى لطيف يحبه كل الأطفال، حتى صديقاه المتناقضان تمامًا؛ جيف وسومو، ذكيّ ولكنه لا يستغل ذكاءه في المذاكرة، هو صديق وفيّ لا يفرط في صداقاته، يحب التعرف على أصدقاء جدد، يكره القيود والواجبات، يحب تجربة كل جديد، جرّب حلاقة رأس صديقه بالكامل، جرب أن يكون مهذبًا مرارًا ولم يعجبه الأمر، جرّب مساعدة أمه في صالون الحلاقة مرة وكانت النتيجة كارثية، حرفيًا يحب أن يلمس كل ما يمرّ عليه، سواء كان فضلات حيوانات، طحالب وفطريات، حيوانات وحشرات، وحتى كومة من خلطة إسمنتية! 


سأحاول أن أكون أكثر وضوحًا، كلارنس -وفق قاموس الأمهات- طفلٌ قذر، شقيّ، مُزعج، لو رأيته لحكمتَ على والدته فورًا بالتسيُّب؛ ولكن لطفه الذي يختلط بكل الصفات السيئة السابقة يجعل الأطفال يحبونه، نعم... أطفالي يحبونه بشدة، فهو -وفق قاموس الأطفال- طفل سعيد، مبهج، يقضي وقتًا ممتعًا دائمًا، ولا يسمح لشيء بأن يقف في طريق تجاربه ومغامراته، والغريب أن الكثير من أخطائه غالبًا ما تكون حلًا للمشاكل! إذًا ما هي مشكلتي؟


مشكلتي أن أم كلارنس لا مشكلة لديها مع كل مقالب ابنها الصغير، يفاجئها في كل مرة، وتفاجئني ببرودة أعصابها؛ بل بابتسامتها وضحكتها عقب كل كارثة! سألتني مرة ابنتي بابتسامة ماكرة: "ترى ماذا كنتِ ستفعلين يا ماما لو كنتِ مكان أم كلارنس؟"، أجبتها على الفور: "لا بد أن أكون مرمية في مستشفى للأمراض العقلية والعصبية!"، ضحكتْ هي وإخوتها بشكل هستيري، سمحوا لأنفسهم بأن يتخيلوا أنفسهم يغطسون بوجوههم في الطين، أو يركضون في الشارع بدرّاجاتهم (أو بدونها) خلف كل قطة أو كلب شارد، وقبل أن يتمادوا طلبت منهم التوقف، وهنا أنا لم أناقض أم كلارنس فحسب، بل قدمتُ لأطفالي مثالًا حيًا عن الأم "المملة"، في مقارنة صعبة مع أم صديقهم الشقي ذاك، هل عليّ أن أذكر هنا أني حاولت إقناعهم بأنه مجرد "كرتون" وأنه لا وجود لأم كهذه على أرض الواقع؟ لقد فعلت بالطبع؛ ولكنهم لسبب ما لم يصدقوني، ربما بسبب بعض أفلام الأطفال الأخرى التي تُرسخ هذه الفكرة، فكرة الطفل الغربي -الأميركي على وجه التحديد وفق كرتون نيتورك- الحُرّ، الذي يسمح له والداه باللعب كيفما شاء ومقدار ما شاء، وبأي مما شاء! ربما كان أطفالي مُحقين.


كلارنس جعل من البهجة أمرًا يتعدى اللعب في مكان نظيف، أو قراءة القصص، أو التلوين، وقدم لأطفالي أشكالًا أخرى أكثر إغراءً، وأكثر قذارةً أيضًا، أشكالًا مسلية لا تناسبني، ولا تناسب أي أم طبيعية -وفق تصوري-، ورغم هذا تضحك أمه في كل مرة سعيدةً بمغامرات هذا "الفرخ"!  وفكرتُ مليًّا؛ لماذا يفعل المؤلف هذا بنا؟!


النتيجة الوحيدة التي استطعتُ الوصول إليها، هي أن كلارنس كرتون موجه للآباء والأمهات أيضًا، في رسالة نعرفها جميعًا، أن الطفل يتعلم من اللعب؛ ولكن ما حدود هذا اللعب؟ يجيبنا المؤلف بأن لا حدود له من الأساس! وما علينا فعله حقًّا هو الصبر، فالطفل مجرد مستكشف صغير قد يفتقد أحيانًا بعض المنطق في أسلوب استكشافه.

يخبرنا المؤلف، أنه مهما كانت ظروفك صعبة، فهي لن تكون أسوأ من ظروف أمه الوحيدة (حتى تشاد لم يكن إلا طفلًا جديدًا زادها عبئًا)، المرأة العاملة، المجهدة على الدوام؛ ولكنها تبتسم على الدوام أيضًا أمام إهمال وقذارة ومقالب ابنها اللطيف.


لستُ مستعدة بعد لتطبيق هذه النظريات، أحاول التجاهل أحيانًا، أستطيع مواجهة -وتحمّل- الوجوه المغبرة والملابس المتربة الناتجة من ساعة لعب واحدة في الهواء الطلق؛ ولكني أعجز عن التبسّم في مواجهة كهذه! وأعجز كذلك عن تجاهل أي إهمال أو تقصير دراسي، رغم أني لست وحيدة فوالدهم موجود، ولا أعمل بدوام كامل، كم أنا مملة حقًّا!


تدقيق آية أبوسعيدة

تعليقات