رقبة الجمل

 



"زعما حق أميرة الجميلات زي ما مسمية روحها، والا الجمل ما يشوفش عوج رقبته؟" 


يتساءل أمام مرآة الجدار، بينما يقوم بدلك شعره العصيّ بـ"الجل" مرارا وتكرارا، يخطر بباله السؤال وهو على بعد ساعة من اللقاء بها أخيرًا، لماذا تسمي نفسها على الفيسبوك "أميرة الجميلات"؟ كيف فاتته احتمالية أن تكون عادية أو أقل من عادية؟ كيف "سيمنع" إن صحتْ هذه الاحتمالية؟


ينتبه فجأة لسلسلة من التصدعات النصف دائرية بأقطار متفاوتة تسود حاشية مرآته العلوية اليمنى، يتكرر الأمر مع مرآة الحمام في العمل، ومرايا السيارة الأمامية والجانبية، تمر فكرة خاطفة حيال رداءة تصنيع المرايا في هذا العصر.


يعود لتأمل وجهه، وللتفكير في "أميرته"، ألح عليها مرة في إرسال صورتها شوقًا للتعرف على صاحبة "الغمازتين" كما وصفت نفسها له؛ ولكنها اكتفت بتصوير إحدى غمازتيها، أرسلتها له مع صورة أخرى لها لا يظهر فيها وجهها، لم يستطع تبين صفاء بشرتها أو درجة نعومتها؛ ولكن جسدها يبدو ممشوقًا ووقفتها تبدو واثقة ومثيرة، هل يمكن لهذا الجسد ولهذه الأناقة أن يحملان وجها قبيحًا أو حتى عاديًّا؟


تبًّا للألقاب المستعارة!


يتناول مقصًّا صغيرًا لتشذيب بضع شعيرات بادية من فتحتي أنفه، يتأمل عينيه مضيقًا إياهما تارة وجاحظًا تارة أخرى، يلاحظ ازدياد العروق الحمراء في بياضهما، لا يبالي، يقشر ثلاث بثرات جديدة ظهرت منذ يومين على جبينه، ينزل ببصره إلى شاربه، ثم إلى عنقه، يحك بقعة لاحظها، يزيلها، ينتزعها من ظفره، يكركبها بين إصبعيه ويفلتها، ثم تنحدر عيناه نحو كرشه، يحاول شفطه للداخل بلا جدوى، ويعاوده نفس الهاجس مجددا، يفكر أنه قامر بوقته معها، كيف سيتملص منها إن اتضح أنها "قبيحة"؟



هو يفهم نفسه جيدًا، يعرف ما الذي يريده بالضبط، سيغفر لها سذاجتها إن كانت ساذجة، سيغفر لها تفاهتها إن كانت كذلك، سيغفر لها عنادها، غباءها، أو حتى بلادتها، فهو رجل متسامح جدا، ماذا إن كان صوتها نشازًا؟ حسنًا ربما سيغفر لها ذلك أيضًا، وهذا يتعلق بمقدار جمالها، يعترف؛ الشيء الوحيد الذي لن يغفره لها هو "قبح" المنظر، ثم نطت في عقله فكرة أخرى؛ كيف سيتأكد من نعومة شعرها إن كانت ترتدي الوشاح كما بدا له من طرف الصورة المُرسلة إليه؟ سيتدبر الأمر، فليضمن أولا الوجه الحسن بعد أن ضمن الجسد الممشوق.


أرسل لنفسه -كعادته- قُبلة عبر مرآته، وانطلق للقاء "أميرة الجميلات" كما تدعو نفسها.


في تلك اللحظة، ومثل كل مرة يرسل فيها قبلة لنفسه عبرها، ودون أن ينتبه، تشكل صدع جديد نصف دائري، بقطر أكبر عند الحاشية العلوية اليمنى لمرآة الجدار.


تدقيق: أبوبكر المغربي

تعليقات