ديما انا واياك

 


*نُشرت على فاصلة 2018


"ديما أنا وياك خاطري

لين نموت معاك خاطري

يا العزيز علي".

أدندنها همسًا بعد سيطرتها التامة على عقلي منذ البارحة، في نوبتي النهارية بالمستشفى، حين أكدت لي رفيقتي أنه وصل، وصل أخيرًا!

- "حتمشي؟".

أجيبها والسعادة تكاد تتفجر من خلاياي "طبعا!".

- "وبوك؟".

"مفروض يتفهم موقفي، راهو أربعة شهور ما شفتاش ولا سمعت عليه حاجة!".

خرجتُ من المستشفى عائدة لبيتي لا أعد خطواتي، فقد كنت أطير، أعد الساعات حتى ألتقي به، وهذه الأغنية تتكرر في نسيج دماغي، أرقص بدلا من أن أمشي وأنا أنصت إليها وأرددها، لا يسعني صبر الدنيا لانتظار لقائنا في الغد.

لم أستطع النوم، أمي فقط سمعتْ مني آخر أخباره، "يا بنتي فكينا من المشاكل مع بوك! إنتِ تعرفي موقفه كويس وتعرفي قداش خايف عليك… كرامتك يا بنتي فكري فيها!".

فلتذهب الكرامة إلى الجحيم، إنه نصيبي، إنه حلالي الذي تعبتُ كي تحين لحظة لقائي به، هل تراه يروي عطش الشهور الأربعة الماضية؟ أم أنه -كعادته- سيلقاني ناقصًا؟

"في جنبك نرتاح خاطري

لا حرب ولا سلاح خاطري

ما يباعدنا شي".

آه متى تنتهي الحرب التي حرمتني من رؤيتك إلا في فترات متباعدة على جفاء منك، طيلة السنوات السبع الماضية، متى؟

الساعة قاربت الرابعة فجرًا، أربط وشاحي بعناية، أدفئ نفسي من صقيع الفجر ريثما أدفئ نفسي بلمسه.

أتسلل خوفًا من استيقاظ أبي، "سامحني يا بابا، ما خليتليش إلا سياسة الأمر الواقع!".

أدير مفتاح السيارة، أخرجها من "القراج" ببطء دون تسخينها خوفًا من إيقاظ أحدهم وانكشافي، يكاد أزيز "الكنشيلو" الصدئ يفضحني، أقف أتنصت أية حركة، لا شيء، أواصل الغناء همسًا، ثم أنطلق بسيارتي في الشوارع الخالية فجرًا، خالية إلا من المصلين، أو من العشاق أمثالي!

أقف حيث اعتدتُ انتظاره، أعد الساعات وأغني،

"لا تبعد لا تغيب خاطري

ديما احداي قريب خاطري

يا حبي الغالي

ديما معاك نكون خاطري

جنبك يالحنون خاطري

وتبقى ديما لي".

ألتحف بـ"كبوطي" الأبيض الذي منحني إياه آخر مرة التقيته فيها، وبهذه الأغنية كتعويذة دفء في انتظاره، دومًا أنا من تنتظره وتأتي مبكرة، دومًا أنا…

أقف حيث اعتدت لقياه، سأرى اليوم هل يتأخر أم يأتيني مبكرًا ويبلل شوقي إليه.

أشرقت الشمس، بدأ الأزدحام، لا بد أن أبي لاحظ غيابي، أرجو ألا ينتبه، أرجو ذلك.

تُفتح الأبواب، يتوافد الناس،

أتظاهر بلا مبالاتي في انتظاره.

يحثونني على المضي قدمًا وعدم الوقوف، فأمضي، أتقدم ببطء، أتساءل عن حجمه، هل زاد أم لا يزال نحيفًا؟

بشائر طلته أراها عن بعد، ازداد وزنه وأينع ثمره، يخبرني الشاب الواقف قبالتي: "سقف السحب ألفين"

تخرسني المفاجأة، هذا يعادل لقاء أربعة أشهر! حمدًا لله!

أكتب على دفتر الشيكات، أسلمه، وألتقي حلالي، نصيبي، حبي الغالي، راتبي! بل راتب أربعة أشهر!

آخذه مربوطًا، أنيقًا، خالٍ من التجاعيد التي بدأت تغزو جفنيّ حزنا على فراقه، أقبّله وأنا أغني بصوت عالٍ وسط دهشة النساء المصطفات خلفي في انتظار أدوارهن، وسط ضحكاتهن وهمساتهن:

"انعيش انا وياك خاطري

ننسى الهم معاك خاطري

الدنيا تزهالي".


تعليقات