رومانسيات شتوية



*نُشر على فاصلة 2017 


كلما حلّت الشتوية، كثرت المنشورات التي تتغزل بالمطر والشتاء، فهو أكثر فصول السنة التي يبحث فيها الإنسان عن الدفء، ليس فقط بشراء الملابس الصوفية و تناول المشروبات الساخنة والالتصاق بالمدفئة، بل حتى بالبحث عن المشاعر الدافئة واحتضانها..

نستطيع القول إذًا بأن فصل الشتاء هو في الواقع ربيع المشاعر الفياضة، ربيع الرومانسية، هو فصل اخضرار حقول العشق!

هذه الكلمات الفضفاضة قد لا تشرح طبيعة فصل الشتاء ورومانسياته في بلادنا، هنالك مقولة شائعة قالها أحد غزاة ليبيا ذات يوم: “من ليبيا يأتي الجديد”، هذه المقولة تنطبق بالمطلق على كل أحوالنا، فلا شتاؤنا كشتاء بقية الأمم، ولا ربيعنا (خصوصًا ربيع الثورات) كربيع بقية الأمم، ولا حتى رومانسيتنا كبقية الأمم والشعوب أيضًا!

في فصل الشتاء، خاصة في الأيام الماطرة، يلزم الكثير منا بيته ويتغيب عن عمله بسبب غرق كل الطرق التي تؤدي إلى عمله، أو مدارس صغاره، وهذه فرصة عظيمة لإعادة ربط أواصر العلاقة بين الزوجين، أو بين الآباء وأبنائهم، تُحل المشاكل العالقة، ويسود الحب والتفاهم غالبًا بعد مشاحنات وشجارات عنيفة بسبب الكبت والإقامة الجبرية.

كما وتعمل شركة الكهرباء لدينا على قدمٍ وساق في سبيل توفير الأجواء الرومانسية في كل بيت، فتنقطع الكهرباء ليلًا ونهارًا، وهذا من شأنه ترسيخ ثقافة الاجتماع الأُسَريّ والالتصاق في حجرة واحدة بحثًا عن الدفء، كما وأن التجار الذين بالغوا في رفع أسعار لامبة الشحن والمولدات، إنما كانت نواياهم طيبة إذ أن المغزى من هذا هو عودة ثقافة إضاءة الشموع بألوانها الزاهية والمختلفة، ولا يخفى على أحد منكم، كم تهيج هذه الشموع من مشاعر دفينة اعتقدناها انقرضت منذ زمن!

أما الباحثون عن رومانسية "فينيسيا"، أولئك الذين يدفعون آلاف الدولارات كل عام لأجل زيارتها مع عشاقهم، فكم نشفق عليهم؛ نحن في ليبيا تزورنا فينيسيا (بطوبتها) كل شتوية، فهي تعلم بأننا غير قادرين على السفر إليها مع أزمة الدولار والسيولة والجوازات و و و … وطبيعي جدًّا أن تفتح نافذة غرفتك صباحًا فتُفاجأ بأن طرابلس قد تحولت إلى فينيسا أفريقية بين عشية وضحاها!

وبطبيعة الحال، فإن غرق بعض الشوارع يؤدي إلى ازدحام مروري رهيب، في مدينة كطرابلس تعاني أصلًا من ازدحام جنوني في الأيام المشمسة العادية، من شأن هذا الازدحام بالطبع أن يؤدي إلى نشوء علاقات اجتماعية جديدة، وقد خلقنا الله تعالى شعوبًا وقبائل لنتعارف، تطبيق هذه الآية يبدو جليًّا في أوقات كهذه من العام، ومن الوارد جدا أن تلتقي بفتاة أحلامك (أو تلتقين بفارس أحلامكِ) نتيجة توقف المرور لساعات، مع خلفية إيقاعية شاعرية لصوت المطر يضرب زجاج السيارات، وصوت مذيعات الراديو وهن يكررن نفس الجمل والعبارات لملء وقت فراغ المحطات الإذاعية أحيانًا كثيرة!

في شتائنا تعرف كمية المشاعر القوية التي تسيطر على الأمهات من صوتهن وهن يصرخن بكل ما أوتين من محبة على أبنائهن بارتداء قبعاتهم، أو جواربهم، أو نعالهم إذا ما مشوا حفاة فوق بلاط المطبخ أو بلاط البيت، خوفًا عليهم من نزلات البرد في بيوت تحولت إلى ثلاجات بدون تدفئة مركزية أو حتى لا مركزية!

والشكر موصول لحكوماتنا الموقرة، ولتجارنا الأكارم، ولشركة الكهرباء الرائعة، على تعاونهم في رعاية رومانسية شتائنا، وإننا في كل ساعة من اليوم ندعوا لكم بمثل ما تكرموننا به في هذه الأيام.

فصل الشتاء زائر سريع، ولكن حضوره قوي، في كل عام نبتهل لله بأن يمنّ علينا بالغيث النافع، فيستجيب الله سبحانه لدعائنا، ولكننا لا ننتفع به، فالخير نازل من الله، وشرُّنا إليه صاعد.


تعليقات