روح الأعياد

 


*نُشر على فاصلة، 2018


تفصلنا عن العيد أيامًا قليلة، وبدأت أستعد لطقوسه الاعتيادية وأحسب لها حسابا؛ ستعقب حمام أبنائي -ليلة العيد- النصائح والإرشادات (وقليل من التهديدات) بالنوم المبكر كي يستيقظوا نشطين لاستقباله بنفس مبتهجة، سأحاول إخفاء الملابس الجديدة كي لا يتهوروا بارتدائها ومن ثم تعريضها للتلف قبل الأوان!.

سأتحسّر فيما بيني وبين نفسي، كأي إنسانة جشعة؛ لأني لا أملك القدرة على السفر بهم إلى مهرجانات “دبي” أو “أبو ظبي” التي تتنافس إعلاناتها على قنوات الأطفال قبيل العيد بأيام، وسيطلب مني أبنائي -كعادتهم عقب كل إعلان يسيل له لعابهم-  الذهاب إليها، مرارا وتكرارا أيضًا، وكأنهم لا يستمعون لردي في كل مرة: “هذه ليست في ليبيا، لا نستطيع السفر إلى هناك، لا نستطيع شراء دولارات، كما أننا لا نملك جوازات السفر لأن الحصول عليها ترف لا نقدر عليه”.

سيطلب مني ابني الذي لم يدخل المدرسة بعد، أن نذهب في أول  يوم إلى أحد مراكز الألعاب القليلة في مدينتنا، وسأوضح له أن هذا غير ممكن، لأن هذه الأماكن، لندرتها ولصغر مساحتها بالنظر إلى  شدة الإقبال عليها، ستزدحم وقد لا تستطيع ركوب كل لعبة ترغبها إلا بعد الوقوف في طوابير طويلة، زمن الانتظار سيكون 3 أضعاف زمن اللعب، والطوابير جزء من الموروث الليبي. 

سيستاء قليلا، ولكنني -كعادتي- سأعده بالذهاب إليها بعد العيد، إذا توفرت “السيولة في المصارف”.

 أتساءل دوما، كيف أجرؤ على التحدث عن أمور كهذه لأبنائي، إذ أن أكبرهم وهي ابنتي، لم تبلغ الثامنة من عمرها بعد!؟

شعرتُ بالشفقة حيال أولادي، حيال نفسي ووطني، ثم استدركتُ أمرًا؛ فأعيادنا لم تكن في صغري تفترض وجود كل هذه المباهج!.

لم يكن والدي يذهب بنا إلى الملاهي، لم نكن نخطط لتمضية هذه الأيام المباركة خارج طرابلس أصلًا، كنا ننتظر الصباح فقط لنرتدي ملابسنا الجديدة التي قضينا آخر أيام رمضان في انتقائها، ثم نمضي أول يوم في معايدة أصدقائنا ومعارفنا، وننتهي ببيت أكبر أعمامي، وهناك نلتقي بمن لم يُتح لنا الوقت زيارتهم، كنت ألتقي بأقراني حيث يحصي كلٌّ منا كم جمع من العيدية، ثم نشتري بها ما لذ وطاب من الحلوى والشكولاطة، وكان الأمر ممتعًا حقًّّا، إذًا لماذا افترضت أن أبنائي لن تسعدهم هذه البساطة وأنهم لا بد لهم من السفر خارج ليبيا؟ تلك ليست روح العيد! خصوصا وأن هناك أناس محرومون من هذه المباهج العادية جدا!.

أطفالي أيضًا يطيرون سعادةً بلبس الجديد من الثياب، واللعب بتلك الألعاب العادية جدا (كطقم مطبخ أو أدوات طبية صغيرة لبناتي، و سيارة أو طائرة تصدر أصواتا لابني)، سيذهب ابني لصلاة العيد مع والده وكله فخر بـ”الزبون” الذي سيرتديه، ثم سيعود من الصلاة ويعايد مع أختيه جدتهم وأعمامهم، هذا في اليَوْم الأول، أما الثاني فسيكررون فيه ارتداء أزيائهم لمعايدة بيت جدهم (أهلي).

لن تتجاوز مدة ارتدائهم لتلك الملابس النصف ساعة، أعلم ذلك وهم يعلمون، وسيرتدون بعدها ملابس عادية تساعدهم على اللعب مع أبناء عمومتهم، على هذا الحال، وبهذه الكيفية، سيستمتعون بعيدهم.


لماذا يخيّل إليّ أننا فقدنا -نحن البالغون -الآباء والأمهات على الأخصّ- قدرتنا على استيعاب روح الأعياد؛ الفرح بتفاصيل صغيرة، والشعور بالامتنان حيال ثوب جديد، وصورة تذكارية أو اثنتان، حيال حلويات العيد، حيال لون الحناء في أصابع الصغيرات، وأحضان التسامح والمباركة عقب الصلاة، أو حتى حيال ابتسامة تقول لنا “من العايدين الفايزين إن شاء الله"؟.

وجبة الفطور الصباحية في حد ذاتها -وهي العصيدة وفق عاداتنا- بعد ثلاثين يوما -أو أقل- من الصيام أمرا يستدعي الاحتفال، أم أنا مخطئة؟

اسمحوا لي أن أتقدم إليكم متابعي @فاصلة الأوفياء بأصدق أمنياتي -المبكرة- بعيد سعيد، لكم ولأسركم، شاركونا التفاصيل البسيطة التي تنشر البهجة على أعيادكم!.


تعليقات