*نُشر على فاصلة، 2020
لحظة الفراق لا نعرف فيها عمق المحبة فقط، بل نعرف أيضًا حجم العبء الذي كنَّا نرزح تحته بسبب علاقة ما، شعور الخفّة هذا الذي يعقب إنهاء تلك العلاقة يدفعنا إلى لوم أنفسنا على تأخرنا في إنهائها، ستقول بينك وبين نفسك: "بالناقص... همّ وانزاح!". هذا النوع من العلاقات يوصف بـ"العلاقات السّامّة"؛ فهي -دون أن تشعر- تصنع منك شخصًا غيرك، ستشبه كثيرًا الطرف الآخر؛ "الشخصيّة السَّامَّة" التي تورطتَ معها في هذه العلاقة، التي قد تكون علاقة عمل، صداقة، أو حتى علاقة حب وزواج!
>> كيف تعرف أنك متورّط في علاقة سامّة؟
ستعرف ذلك بإشارات قد لا تعيرها اهتمامًا، بل تتجاهلها لأسباب عدة قد تكون مادّيّة أو اجتماعية، خاصّة إن كان الطرف الآخر رئيسك في العمل، أو أحد أقاربك أو أنسبائك، أو تتجاهلها بسبب ارتباط عاطفي وخوف من الوحدة. من أهم تلك الإشارات:
- رغبة عميقة غير مُعلنة في نفسك في التخلّص من هذه العلاقة.
- الندم الدائم ولوم الذات، "ليتني قلت" أو "ليتني لم أقل"، "كيف تفوّهت بتلك الحماقات؟!"، "لماذا وافقته رغم عدم قناعتي؟!".
- شعورك الدائم بحاجتك إلى التبرير (تبرير عدم اتصالك، تبرير غيابك، تبرير عدم إعطائهم كشفًا بتفاصيل سير حياتك... إلخ).
- التردد حيال التفوه بكلام ما أو القيام بتصرّف قد يُساء فهمه.
ربما تكون هذه أبرز العلامات؛ ولكنها ليست الوحيدة، وقد لا تدُلّ على تورّطك في علاقة سامّة إن كانت علاقتك طيّبة مع الطرف الآخر في الأحوال العادية ولكنكما تمرّان بفترة عصيبة؛ لذا عليك أن تكون حذرًا في قنص واكتشاف سُمِّية شخصية الطرف الآخر من عدمها أوّلًا.
>> كيف لي إذًا التعرف على الشخصيّة السّامة؟
يسهل جدًّا التعرف عليهم، وحين تتعرف على أبرز سماتهم في هذه اللحظات -بينما تقرأ المقال- ستتذكر على الفور بعض الأسماء وستظهر بعض الوجوه أمام عينيك، فلا بُدّ أن يكونوا قد مرّوا بك ولو مرة في حياتك:
- كثيرو الشكوى والتذمّر: ستلحظ هذا سواء كنت تتذمر معهم أم لا، فإن تذمّرت غلبوك بمآسيهم، هم دائمًا يقاسون أكثر! وفي حال كنت راضي النفس إيجابي الموقف، فسيمتصون طاقتك، ويُحوّلونك إلى كتلة لحم مُزرقّة. أما نصيحتك فاحتفظ بها لنفسك، إذ لا بُدّ من أن يضعوا "الرز في العظام" أمام كل نصيحة تظنها ستفيدهم.
- مُغتابون: يقتاتون من الغيبة، والغيبة هنا بمعنى التحدث بعيوب الناس وعوراتهم، يُركزون عليها ويحترفون اصطيادها، كن متأكدًا أنك "مائدتهم" مع شخص آخر. والغيبة هنا صفة أساسية دائمة، ليست حديثًا نتج عن حديث بالصدفة، فمن منا لم يقع في فخ الغيبة يومًا؟!
- نمَّامون: سينقلون إليك ما قيل عنك، بنبرة تكون غالبًا غير ما قيل بها الكلام، وبتلميحات وتوابل إضافية هديّة من عندهم، وسواء أصدقوا أم كذبوا، عليك أن تتساءل: كيف يسمحون للناس بالحديث معهم عنك بكل هذه الأريحية؟
- ضحايا أبديّون: لن يسمحوا لك بأن تُلمّح مجرد التلميح بكونهم سببًا من أسباب ما هم فيه، فهم ضحايا القدر، هم المنحوسون الذين لا يعطف عليهم أحد، ولا يساعدهم أحد، هم ضحايا الغيرة والحقد دائمًا وأبدًا. عليك أن توافقهم في كل ما يقولون، وإن لم تفعل فأنت عديم الإحساس، أنت لا تشعر بهم لأن "إيدك في المية وإيدهم في النار".
- قُضاة: وحدهم العالمون بنوايا الناس وأسبابهم وراء كل تنهيدة، وفوق هذا، هم الذين يتذكّرون بشكل ممتاز كل زلّاتك، يُخرجون أقوالك وتصرفاتك من سياقها، ينتقدونك ويحاكمونك عليها، ويُذكّرونك بها ليقللوا من مستوى تسامحك مع ذاتك.
- أنانيّون: ينبغي أن يدور الحديث عنهم، ينبغي أن تكتفي بالاستماع إليهم، أي حوار منطقي تُحاول إقحامه في الحديث سيذهب أدراج الرياح؛ آذانهم لا تستقبله، سيواصلون حديثهم وكأنك لم تنطق بكلمة. ستشعر بهذا بقوة حين يضيق صدرك من تكرار ما قلتَه دون جدوى.
وهنا، اسمح لي عزيزي القارئ أن أطلب منك وضع نفسك ضمن نفس سياق القياس، أتعتقد حقًّا أنك لست منهم؟ فلنعتبر أن الإجابة: "نعم، لست منهم"، ولننتقل إلى النقطة الأهم؛ كيف تنجو من هؤلاء؟
>> "الباب اللي تجيلك منه الريح، سدّه واستريح"
مثلٌ قديم فيه من الحكمة الكثير. نحن بحاجة إلى إنهاء علاقاتنا مع هؤلاء لأنهم يشعروننا بالإحباط، يمتصون بهجتنا ويدفعوننا إلى الندم المستمر بسبب أو بدونه؛ ولكن هل الأمر بهذه البساطة؟ يكون كذلك إن كانت تربطك بالشخص السّامّ علاقة زمالة أو صداقة في العمل أو الدراسة، أما حين يكون هذا الشخص زوجًا أو زوجة، أخًا أو أختًا، أو من أنسبائك (العم والعمة، السلف والسلفة، الكنة... إلخ)، حينها ستواجهك صعوبة في إنهاء العلاقة بالكامل؛ ثمة عوامل وروابط أخرى من الصعب على معظمنا فكّها أو تجاهلها، سنكون واقعيين ونحاول إيجاد بعض الحلول:
أولًا: حاول ألا تأخذ سُمّيّتهم على محمل شخصي؛ فهُم يعكسون بأقوالهم وأفعالهم وأحكامهم عليك أو على غيرك نظرتهم ومواقفهم تجاه أنفسهم، وحين يهاجمك أحد هؤلاء لا تتخذ موقفًا دفاعيًّا، خُذ نفسًا عميقًا وفكّر في الأمر (هل ينتقدون مثلًا تربيتك لأنهم يرون في أطفالك ما يعجزون عن تحقيقه مع أطفالهم؟ هل ينتقدون طريقة لباسك لأنهم غير واثقين من مظهرهم؟)، شتّت تفكيرك بالوسيلة التي تراها مناسبة (كأن تعُدّ بالعكس)، وتجاهل الملاحظة. تحقيق هذه الخطة ليس سهلًا ما لم تكُن على إدراك تامّ بهذا النوع من الشخصيات، سهّلنا عليك المهمّة بإعطائك المؤشر لأبرز صفاتهم، والباقي تتحمل أنت فيه مسؤولية التحكم في ردود أفعالك، والأمر يحتاج تدريبًا وصبرًا.
ثانيًا: لا تتورّط في أحاديثهم، "سايرهم على قد عقولهم"، حين يشتكون، يغتابون، يتذمّرون أو ينمّون، اقطع عليهم متعتهم بتعليق قصير: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، "الله المستعان"، "معليش"... وانتقل إلى موضوع غيره أو استأذن لأداء عمل ما.
ثالثًا: رسّم حدودك واحفظ خصوصيّتك؛ السّامّون شخصيات تقوى كلّما ضعفتَ أو تلاشتْ حدودك الشخصية. لا تحكِ لهم كل ما يجري لك (خاصّة أسرارك إذا لاحظت إفشاء أحدها، ولم تكن قد بحت به لغير هذا الشخص)، ولا تُشعرهم بأن وقتك رهن شكواهم وأحاديثهم.
وبعد...
إن كنت متأكّدًا أنك لست الطرف السّامّ في علاقة ما، فحاول أن تكون أكثر حرصًا حيال الكيفية التي تصرف بها وقتك وجهدك ومعنوياتك، بنفس الطريقة التي تحرص بها على صرف أموالك.
هل عانيتَ/ تعاني من علاقة سامّة؟ احكِ لنا عن مشاعرك الناتجة عنها! وهل ساعدك المقال بشكل ما؟
-------------
تدقيق علياء
تعليقات
إرسال تعليق