*نُشر على فاصلة 2017
كلنا آباء وأمهات رائعون، حتى نتزوج وننجب!
نقدم نصائحنا عن التربية المثالية حين نكون عزابًا، تقابلنا وجوه الآباء والأمهات بابتسامات لا ندرك كنهها، إلا بعد أن نصبح في موقفهم، يأتي من بين العزاب والعازبات من يقدم لنا النصائح، فنتذكر كيف كنا ننظر للأمر ببساطة بحتة، ومثالية مُضحكة، مثلهم.
الأمر لا يتعلق بقاعدة المبادئ التي ترغب في إنشاء ذريتك عليها، جيد أن تمتلك تلك القاعدة وترسم خطتك الخاصة، إلا أنك ستصطدم في كل عام يكبرون فيه، بأنك لا تربيهم وحدك، فأهاليكم يشاركونكم في هذه العملية، قد يسمحون لهم عن طيبة قلب ومحبة بارتكاب مايخالف قوانينك الخاصة أو العكس، قد ينهرونك عن التساهل في أمور تجدها عادية ويجدونها أخطاء جسيمة، فتقع أنت وطفلك فريسة التناقض، كذلك الأمر ينطبق على عائلات أعمام وأخوال أبنائك، ستتعرض كثيرًا للتساؤلات المقارنة التي سيطرحها أبناؤك بكثرة، لماذا لا تسمح لي باللعب في الشارع إن كان ابن عمي يفعل ذلك؟ لن تستطع أن تجيبهم بالإجابة المعتادة: لأن الشارع بيئة سيئة تفسد الأخلاق، فأنت تخشى أن يكررون ما قلته على مسمع العم؛ فتقع في ورطة لا تُحمد عقباها!
كذلك المعلمات، وما أدراك ما المعلمة، أتعلمون مدى قدسية كلامها بالنسبة لطفلك؟ ستدركون حجم هذه القدسية حين يرفض ابنك اتباع طريقتك السهلة في الجمع ويصر على اتباع طريقة المعلمة التي لا تخطئ! حين يصر ابنك على أن تزين له كراسته فالمعلمة ستختار أفضل تلميذ في الصف وفق أجمل كراسة، تحاول إقناعه أن التلميذ المثالي هو التلميذ المجتهد صاحب الكراسة المنظمة والنظيفة، فيصر ابنك -وفق تعليمات معلمته- بأن التلميذ المثالي هو الذي تزخر كراسته بالألوان والرسومات! فترضخ للأمر الواقع وتقضي ساعات من النهار في ممارسة ما اعتزلته لسنوات؛ الرسم والتلوين في الكراسات.
ولا يخفى على أحد ذاك التأثير المؤقت والمقيت للضيوف الذين قد يزورونكم بأطفالهم، وهنا أقصد الضيوف الذين يناقضون علنًا أسلوبك في التربية، يتحامل عليك ابنك لأنك التزمت الصمت حين كان الأطفال-الضيوف يقفزون بين كراسي الصالون، فأنت لا تغفر له هذه-العملة- حين يقوم بها من وراء ظهرك فتكشفه بالصدفة.
أتعلم أن سائق السيارة التي أمامك أيضًا يشاركك في تربية طفلك؟ ذاك الذي يجعل أبناءه يلقون بمنتصف أجسادهم خارج النافذة أثناء تحرك السيارة، فيسألك ابنك: لماذا لا تسمح لي بذلك؟ تجيبه لأني أحبك وأخاف عليك، فيسألك سؤالا أصعب: وهل هذا الرجل لا يحب أطفاله!؟ وهنا لا تجد إلا إجابة واحدة: لا علاقة لنا بما يفعله الناس، فتقع وطفلك فريسة اللامنطق.
والأسوأ من كل ما سبق ذكره، أن يصطدم أبناؤك بالتناقض بين توجيهاتك أنت، وتوجيهات شريكك، فبطبيعة الحال قد لا تكونان قد تفاهمتما على كل القوانين التي تنويان اتباعها، قوانين التربية ليست وثيقة تعلقانها على حائط المعيشة أو فوق ثلاجة المطبخ، إنما تأتي تدريجيًّا، تحتاجان إلى المرونة وإلى كثير من سعة الصدر، المهم أن تصلا في نهاية المطاف وقبل أن يفطن الطفل بذكائه الفطري إلى صيغة تلملمون بها ذاك التناقض.
ستتعرض لكل هذا وأكثر؛ ولكنك ستتعلم مع الوقت بأن كثير من تلك التناقضات مصيرها إلى الزوال إن حافظت على مبادئك، إن قمت بتنشيط محركات الدهاء بين الحين والآخر، وببعض الحكمة وكثير من الحب.
في إحدى المرات، كانت ابنتي غاضبة مني لأني لم ألبي لها طلبها فورًا فقد كنت منغمسة في كتابة شيء ما على جهاز حاسوبي، لطالما اغتاظت من انشغالي عنهم حين أجلس أمام تلك الشاشة لأني أفقد كليا جميع حواسي بما يحيط بي مهما تعالت صيحاتهم ومطالبهم، بعد أن فرغت مما بين يدي ونهضت إليها، أنبتني قائلة: هكذا أنتي لا تهتمين إلا بتفاهاتك! نعم ابنتي ذات الأعوام السبعة تتحدث عن هوايتي كـ"تفاهة"، شعرت وكأنها صفعتني على وجهي، كدت أتسرع برد فعل همجي فقد استفزتني تلك الكلمة، نظرت إليها قليلا ثم حدثتها بهدوء: عليك أن تحترمي هوايتي كما أفعل أنا تجاه هواياتك، ألا أشتري لك المفكرة تلو المفكرة كي تملئينها في يومين برسوماتك ومذكراتك ورسائلك إلى صديقاتك؟ ألا أقدم لك النصائح التي تطلبينها حول رسوماتك وألوانك؟ لماذا لا أسمي هواياتك "تفاهات" وأمنعك عنها؟
هنا صمتت قليلا، ثم اعتذرتْ، وهنا أدركتُ قيمة محبتي ودعمي لها، فلو لم أكن أشجعها على ممارسة شغفها المتعلق بالرسم –والكتابة أحيانا- هل كنت سأجد الرد المناسب في لحظة كهذه؟ لا أعتقد، فنحن نربي أنفسنا فيما نربي أبناءنا.
تعليقات
إرسال تعليق