1.
كيف تكتب عن الأمكنة وآلام وأوجاع الناس وأنت تعيش بينهم
تحت القصف؟
كيف يمكنني ألا أكتب عن كل هذا وأنا أعيش في
قلبه!؟ كيف يمكنني التظاهر بتمييز روائح الزهور والأعشاب البرية وسط روائح البارود
وحرائق مكبات القمامة التي باتت سمة من سمات بلاد لا تُصرف ميزانياتها على على
شراء الأسلحة!؟ كيف يمكنني تمييز أصوات الطيور وسط أصوات المدافع والصواريخ، في
الحقيقة باتت حواسُّنا تعمل في غير ما خُلِقتْ له، فنحن مثلا نميز رائحة اللحم
المحترق عن حريق الإطارات في الشوارع، وبتنا نمتاز بالرؤية الليلية التي تتمتع بها
القطط مع اعتيادنا انقطاع الكهرباء، حتى أطفالنا تميز آذانهم بالصوت إن كان صاروخ
ما منطلقًا من جوارنا أو نازلًا على رؤسنا...
الأمكنة المنكوبة، أوجاعنا وآلامنا هي كل ما
يمكننا الكتابة عنه حاليًّا، ريثما تُشفى الجراح، ونتعلم كيف نحيا ونستخدم حواسنا
مجددًّا كما يفعل بقية البشر في سائر العالم، أولئك الذين يخرجون في تظاهرات
مطالبة بحقوق الحيوان.
2.
ما الذي يمكن أن يقوله الكاتب (شاعر/ قاصّ/ روائي) في
زمن الحرب والدمار والقتل والتشريد والتهجير؟
عليه قبل النطق بأي حرف أن يتحوّل إلى
دكتاتور صغير شريف، أن يسارع لتكميم أفواه كُتّاب السلاطين ومؤرخيهم، عليه أن يسرق
محابر خبراء التاريخ والمتحدثين باسمه، ويجلس بعدها يستنطق الورق، يُسجّل كل ما
أثار دهشته، حيرته، وغضبه.. عليه ألا يرحم أحدًا، عليه باختصار أن يكتب للتاريخ،
فالفنّ هو الذاكرة الحقيقية للشعوب، الفنّ هو التاريخ الذي لا يكتبه لا المنتصر
ولا المهزوم، الفنّ هو التاريخ الذي يكتبه الموجوعون والمحرومون فقط تحت أقدام
المتصارعين، أيًّا كان المعسكر الذي ينتمون إليه، فالحرب لا بطولة فيها إلا
للمجرمين.
3.
وهل تنقذنا الكتابة من هذه الفوضى والخراب العميم؟
لن تنقذنا من المساءلة على الأرجح، لن تنقذنا
من التهديد بالإقصاء والتكميم، لن تنقذنا من الاتهام بالخيانة العظمى، بل على
العكس، ربما تُسرّع في هلاكنا؛ ولكنها على الأقل ستنقذ أرواحنا من مستنقع النفاق،
وستنقذنا من الوقوع في فخّ الانضمام إلى جوقة الكراهية الغبية، التي ننسى فيها
السجّان ونتبادل فيها نحن –الأسرى- السباب والقذف. وربما ستنقذنا من فقدان عقولنا.
ما أرجوه وأتأمله، أن تكون كتاباتنا اليوم
سببًا في إنقاذ الأجيال القادمة، إن صدقتْ أقلامنا... فحبل الصّدق طويل، حبل
الصّدق سرمديّ.
4.
كيف ترون الأدب كشهادة حيّة عن اللحظة الراهنة.. لحظة
الدّم؟
كما ذكرتُ آنفًا، الكاتب السارد او الشاعر،
هو قلم اللحظة الراهنة، مبالغاته حقيقة، وبلاغته ضرورة، نحن لا نكتب فقط لنتخلّص
من عذاب اللحظة الراهنة كحمل تنوء به ظهورنا، نحن نكتب أيضًا للتحذير، نرى الدم
قبل أن يراه غيرنا، ونطلق صفارات الإنذار كما فعلتْ غادة السّمّان في "بيروت
75".
5.
من خلال تجربتكم، هل تستطيع الكتابة الإبداعية خلق أصوات
مناهضة للعنف والظلم والحرب؟
لخطاب الكراهية جاذبية خاصة وصخب يصمّ
الآذان؛ لهذا أشكّ إن كان بإمكان الكتابة وحدها خلق صوت عالٍ في المجتمع، وفي هذا
ربما يقع على الكتاب (المناهضين للعنف والظلم والحرب) همّ التواصل مع العالم
الخارجي والخروج من القوقعة التي تميّز أكثرهم، يلزمهم التحالف مع المنظمات
المناهضة للعنف والحرب شرط أن تكون صادقة في توجهها غير تابعة لأيديولوجيا صادف أن
الحرب خلال فترة ما لا تقع في مصلحتها! وهذا –لعمري- أمر صعب؛ ولكنه غير مستحيل.
تعليقات
إرسال تعليق