آخر قصة

 


*نُشرت على فاصلة، 2021

"الأستاذة "سيّدة عادية"، تحيّة طيبة وبعد…


سبق وراسلتك (بصفتي عضوًا في لجنة تحكيم مسابقة هيئة الثّقافة والفنون) عبر مدوّنتك طالبًا منك الرّد بخصوص جائزتك في المسابقة المحلية للقصة القصيرة ولم أتلقَّ منك ردًّا بعد، رغم أنّك ما زلتِ تواصلين النّشر عبر مدونتك! فهل نعتبرك متنازلة عن حقك في الجائزة فتذهب لغيرك؟ أم أنّك تفضلين وسيلة تواصل أخرى؟ أرجو أن نجد منك ردًّا بالخصوص، وإلّا فسنضطر آسفين لسحب الجائزة منك. 


احترامي الشّديد. 


مختار..." 


رغم جودة ما تكتبه هذه التي تدّعي أنّها سيّدة عادية وتُلقّب نفسها بذلك، إلّا أنني أجد في موقفها نبرة غرور ورائحة تعالٍ، وهذا أمر مرفوض، فإن كانت تأنف الرّد، وتتعالى على الجائزة الماليّة الّتي يحلم بها ألف غيرها، لِمَ إذًا تشارك من الأساس؟!


لا تبالي بالجمهور، وهذا واضح من اختفاء أثرها في أيّ ركن من أركان السوشيال ميديا، تكتفي بمدونة شبه مهجورة، تنشر فيها قصص الغموض والجرائم -والتي يتفق بعضها للغرابة مع جرائم حدثت بالفعل!- بمُعدّل قصة أو اثنتين كلّ شهر، تُرسل إحدى هذه القصص إلى مسابقة لا تبالي حقًّا بنتائجها! ولا تُذيّل بياناتها بوسيلة اتّصال أخرى عدا المدونة!


وتبدو لي أنّها سيّدة تصطاد القصص رغبة في ذلك واشتهاءً له لا غير... ربّما لا يعنيني أمرها، ولكنّها تثير فضولي أكثر، وثمة ما يدفعني لتقصّي أثرها.


ورد في إحدى قصصها ذِكرٌ ووصف لمطعم يقع في باب البحر في المدينة القديمة، صادف أني من رواد هذا المطعم، أدهشتني بوصفها لتفاصيل المكان الدّقيقة، والتّفاصيل الأكثر دقّة لجريمة وقعت بالفعل هنا منذ بضعة أشهر وما زال صاحب المطعم يعاني من تبعاتها... قصدته في محاولة منّي لمعرفة إن كان يعرف الزّبائن الحاضرين يومها عدا الضّحية، فتجهّم وأحجم، طال إحجامه الرّد بعدها حتّى على تحيتي الصبّاحة وأمنياتي الطيبة له بالبركة في الرزق.


تكرر الأمر في محلّ لبيع لعب الأطفال، قُتلت فيه سيّدة بلعبة، أو ما ظنت أنّها لعبة... استغرب البائع سؤالي، وبعد تفكير أخبرني أن الجريمة لم تحدث خلال نوبة عمله، وتنشّقتُ رائحة كذبة ما…


ما أثار فضولي أكثر هو وقوع كلّ الأماكن في نفس منطقة سكني، ربّما تكون من سكان نفس المنطقة... قد تكون جارتي في الحيّ! ولِمَ لا تكون هذه؛ جارتي ذات الشّعر الأحمر، ألمحها كلّ صباح تنشر ملابسها في شرفتها المقابلة لنافذتي فأطأطئ رأسي احترامًا وتخذلني عيني فجورًا... هذه التي تقول أمي بأنّها أرملة صغيرة، مقطوعة من شجرة، تهاب النّاس، وفيها ما يجعلهم يهابونها بنفس القدر، ولكن يستحيل أن يحمل هذا الرأس الملائكي كلّ تلك الأفكار الظلاميّة!


أم أن وراء هذا القلم رجلًا مهووسًا بالسرية التامة عن جنسه وهويّته؟ إذ كيف يمكن لامراة "عاديّة" كما تدّعي، أن تكتب أدب جريمة بهذا الإتقان والوحشية في أحيان كثيرة؟! أدمنتُ مدونتها وبتُّ كقط مشرّد يقف عند الباب يوميًّا بأمل متجدد في وجبة دسمة… 


انتقلت رحلتي في التّقصي من مواقع حدوث الجرائم المذكورة في القصص، إلى مواقع أخرى ذُكرت مرور الكرام، غير أن تفاصيلها توحي بأنّ كاتبتها خبيرة بها، ومن زوارها الدّائمين.


أوه! ها هي قصة جديدة!


همممم... رجل يتقصى وراء سيّدة لا ينبغي له التّقصي وراءها... يلاحقها بالرّسائل... يشتهيها... يثير فزعها... فتقرر قتله!


مهلًا…


للرجل ملامحي، أسمته "محتار"! أهذه نكتة؟!


أمرُّ عبر السّطور بعجالة، تختم القصة هذه المرّة بجملة عاديّة لا بجريمة، حسنًا، يبدو الأمر مختلفًا هذه المرّة... ولكن مهلًا! أهذا طلب؟!


"لم يكن عليه إلّا أن يلقي عليها التحيّة عبر نافذته، ولكنه لا يجرؤ"


تمت القصة... أهذا تحدٍّ؟!


أنطلق وراء حدسي، أسخر من نفسي ولا أبالي، أواصل طريقي نحو النّافذة، أُشرّعها على مصراعيها متطلّعًا بثقةٍ هذه المرّة نحو شرفة جارتنا الأرملة الجميلة، صوت يحدثني بأنّي سأورط نفسي في مشكلة ما بالحيّ، ولكنّ صورة تظهر لي فجأة أحاول ترجمتها؛ تقف الجميلة بشعرها الأحمر مسترسلًا على كتفيها قبالتي خلف عتبة باب شرفتها المفتوح، وكأنّها في انتظاري... ما هذا الذي تمسك به واضعة إيّاه أمام وجهها؟ أهي كاميرا؟


لا!

أهذا سلاح؟!


(انتهى). 


--------------------------------

- تدقيق | نيروز محمّد


تعليقات