كيف تنجو بقلبك

 


*نُشر على فاصلة، 2019

تُخرج الحروب الأهلية أسوأ ما فينا وتتغذى عليه، مُخلّفةً وراءها ندبات تُدمي قلوبنا، عمرها يطول فيتجاوز عمر الندبات التي تشوّه أبنية مدننا وقُرانا.


علينا أولًا الإقرار بأن ما يحدث في ليبيا منذ ثماني سنوات هو حرب أهلية، بعيدًا عن الشعارات والمبادئ التي تتزين بها هذه الحرب، فكلما بكّرنا باعترافنا كلما سرّعنا بعملية الشفاء.


علينا أيضًا فهم آلية عمل هذه الحرب، فهي لا تقتصر على الأسلحة الملموسة التي تقذف حمما ونيرانًا، بل تتعدى هذا المفهوم السطحي لتشمل حتى ذاك السلاح الفتّاك القابع بين فكيك! فهو أقوى أسلحة هذه الحرب، وأكثرها تأثيرًا، وأطولها عمرًا، خاصة في زمن مواقع "الحقد" الاجتماعي والتي لم تستطع بعد إداراتها السيطرة على خطاب الكراهية.


ومن هذا المنطلق، وفي بادرة للنجاة بقلوبنا من الأمراض التي يخلفها هذا الخطاب في هذه الأزمنة العسيرة؛ ربما يساعدنا اتباع بعض الخطوات العملية في النهوض الجزئي والتعافي من آثار هذه الحرب.

إذًا؛ كيف يمكن لك النجاة بقلبك من خطاب الكراهية الذي يستخدم وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي منبرًا له؟


1- لا تنشرها، ولك الأجر:

"لا تجعلوا من الحمقى مشاهيرًا"، ولا تجعلوا أيضًا من مرضى القلوب مشاهيرًا! امتنع عن التعاطي معهم، اهجر صفحاتهم ومنابرهم، صمّ أذنيك عن تبريراتهم وشعاراتهم وترّهاتهم المغلفة بالخطابات "الوطنية" و"الدينية" المفرغة من معناها وكلنا نعلم ذلك جيدًا، أو معظمنا على الأقل.


2- لا تغلق السوشل ميديا:

اعتبره تمرينًا في التأمل والقوة الذاتية لمواجهة القبح، واجه مناشير التحريض والتعبئة والاختلاف، بما يقابلها من المحبة والتسامح والتوافق، فنقاط تشابهنا أكثر من نقاط اختلافنا، فكّر جيدًا وابحث عنها بحُبّ. نحن لسبب ما نركّز دومًا على ما يفرقنا، وننسى أننا نحمل نفس الهموم ونصارع نفس العدوّ؛ الجهل والفقر والمرض. فإن لم تستطع التركيز على ما يجمعك بأبناء وطنك ربما قرار اعتزالك سيكون الأصوب.


3- بادر:

كن مبادرًا وجند معك مبادرين أمثالك، اصنع محتوًى يقدم حلولا أو ينشر الجَمال، أو شارك في حملة تناهض خطاب الكراهية والتحريض (مثل حملة فكر فيها!)، كن صاحب مجتمع إلكتروني يتحقق من المعلومات والأخبار التي غالبًا ما تكون مُضللة وهادمة لمعنويات المواطن البسيط كوسيلة للتمكن من المعسكر المقابل، أو على الأقل اصنع جيشًا للتبليغ الإلكتروني عن الصفحات/المنشورات المحرضة على الكراهية والعنف والتمييز. أو اكتفِ بنشر هذا المقال على سبيل المثال!


4- لا تكن صيدًا سهلا:

قد لا تشعر بنفسك حين تقع فريسة طُعم خطاب الكراهية والتحريض، اغفر لنفسك ثم امسح كل ما بدر منك إن انجرفت في ذلك التيار القذر، فالندم والتراجع عن البشاعة النتنة ليس ذنبًا تخجل منه، إنما الخطيئة تقبع وراء إصرارك على القبح.. وذكّر نفسك أن خطاب الكراهية لا يخدم إلا الطغاة، فلا تكن أداة لرجال الساسة وبيادقهم مهما جرى معك!


5- هيّئ أبناءك للمغفرة:

سيهادن قادة وأمراء الحرب الأهلية بعضهم بعضًا، كن مستعدًّا لتلك المرحلة وهيّئ أبناءك للمغفرة، حتى لو عجزت أنت عن فعلها -وإنها صعبة بحق-؛ لا تورّثهم كراهيتك، التسامح والتجاوز والاعتراف وإنصاف المظلومين لا بديل عنهم لإنهاء أي حرب أهلية لأي مجتمع.


6- اعمل:

اغرق في كل ما هو حضاري، قراءة، كتابةً، ،تصويرًا، رسمًا، نحتًا، عزفًا، إن كنت تميل لأحدهم، أو تعلّم شيئًا جديدًا، أو انغمس في إصلاح المعطوب في بيتك، أو الاهتمام بوظيفتك وواجباتك تجاه أسرتك ودراستك وبيئتك. المهم أن تعمل، فالبؤس الذي ينتشر في أجواء كهذه، يكون العمل هو علاجه الناجع والوحيد تقريبًا.


7- تشبث بإيمانك:

عليك أن تدرك جيِّدًا أن هذه المحن هي سُنّة الدنيا وجزء من ابتلاءاتها، تشبث بصلاتك، حتى إن صليت في خيمة نزوح! ولا تيأس من دعائك، فكلٌّ له رزقه من المِحن، وخروجه منها معافًى مرهون بثقته في حكمة الله.

 

دعونا مما تُخلّفه هذه الحروب من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية، فمن عُرفها التدخلات الخارجية والديون الدولية، ومن دستورها الجرائم الحربية والشائعات، ومن أصولها تمزق النسيج الاجتماعي، وكل ما يسعنا –كأفراد- للقيام به حيال هذه الأمور هو عدم تمكينها من أفئدتنا.


علينا بتحصين قلوبنا من آثارالحروب الروحانية والنفسية، ونشر هذه المقاومة، حرصًا على براءة القلوب من الأحقاد والضغائن وإعادة إعمارها بالود والاحترام والتطلع لمستقبل أفضل (وتطبيق هذا المبدأ أصعب من قوله بكثير)، هذا الحرص يُعدّ ضروريًّا ومهمًّا بقدر حرصنا على إعادة إعمار الطوب، وعلى تعافي أجسادنا من الكدمات والجروح وتعويض الأعضاء المبتورة منها.

من يدري، ربما أيضًا يكون شفاء قلوبنا سببًا في التخفيف من آلام فقدنا أحباءنا في هذه الحرب. ولعلنا بذلك ننقذ مستقبل أبنائنا ونوفر لهم أرضًا مفروشةً بالتسامح.

فهل #فكرت_فيها؟


تدقيق: أبوبكر

تعليقات