الحاسوب في ليبيا: ضرورة أم ترف؟

 


*نُشر على فاصلة، 2019، ضمن حملة التوعية بالتكنولوجيا الرقمية "زايد ناقص".


منذ حوالي ثلاثة عقود مضت، كانت بلادنا تستورد قطعًا إلكترونية، تُجمّع في مصنع المؤسسة العامة للإلكترونات في ليبيا، لتتحول إلى "حاسوب"، يوزع على الإدارات والجهات العامة. وخلال السنوات القليلة (العشرة تقريبا) اللاحقة، كان لا يسمح باقتناء هذا الجهاز في البيوت، إلا بموافقة أمنية، إذ أن اقتناؤه كان مدعاةً للقلق!

مع مطلع القرن الواحد والعشرين، رُفِع احتكار المؤسسة لهذه الأجهزة، وبات من الممكن استيرادها من الخارج؛ لكن رغم هذا، لم يشهد هذا الجهاز إقبالا إلا من قلة قليلة من أرباب الأسر، غالبية المشترين كانوا شبابًا يدرسون تخصصًا مرتبطًا بشكل مباشر به، وبدا أن هذا الجهاز لا يدخل قائمة الضروريات المنزلية، ولا حتى الدراسية. اختلف الأمر قليلا في السنوات العشر الأخيرة، مع نشأة جيل أكثر وعيًا وانفتاحًا لمتطلبات العصر، التي جعلتْ من الحاسوب حاجة أساسية يحتاجها أصحاب جميع التخصصات العلمية والأدبية، وربما بعض التخصصات الحرفية أيضًا!


في استطلاع مُصغّر، أُعدّ خصيصًا لهذا التقرير، بدا جليًّا أن هناك هوة تفصل بين جيلين، إذ بلغتْ نسبة المشاركين 80% تقريبا من بين الذين تترواح أعمارهم من 15 عامًا إلى 30 عامًا، بينما بلغتْ نسبة من هم أكبر من 40 عامًا 6.6% مشاركًا فقط! هذا مع العلم بأن نشر الاستبيان كان عبر عدة حسابات ولم يقتصر على من هم في المعدل الأعلى من المشاركين، وهذا يدفعنا للتساؤل عن تلك الفئة العمرية من مواليد سبعينيات القرن الماضي، لماذا العزوف عن المشاركة؟ أمازالت كلمة "كمبيوتر" تلقى نفورًا وصدًّا من الجيل الذي تشبّب في مرحلة دخول الحاسوب الأولى إلى بلادنا؟ أم أنها فقط لا مبالاة تلازم ذلك الجيل إزاء هذا الجهاز؟



مع مطلع الألفية الثانية، ومع رفع القيود عن شراء الحواسيب للأشخاص والمدارس، خُصص منهجًا دراسيًّا، ونصابًا من الحصص، لتعليم استخدامات هذا الجهاز في الخطة التعليمية لوزارة التعليم (التي كانت تُسمى أمانة التعليم في ذلك الحين)، وتم توفير معامل الحاسوب في كثير من المدارس الثانوية، قبل أن يُدرج هذا المقرر للتعليم الأساسي.

ومن المثير للدهشة، أن ذرات الغبار كانت أكثر المستخدمين لهذه الأجهزة، لا تُزاح عنها إلا في حال زيارة أحد المسؤولين لإحدى المدارس، في ذلك الظرف القاهر فقط، ونظرًا لحضور كاميرات التصوير الإذاعية، كان يُسمح لبعض التلاميذ الموثوق في سلامة أيديهم من "التبربيش" والفساد، بفتحه تحت إشراف معلميهم، إما للتظاهر بالطباعة على مستند وورد، أو لادّعاء الرسم على برنامج "الرسام" الشهير! المثير للدهشة والاستغراب أكثر، أن ما ذُكِر تحول إلى "سبر"، مازالت تمارسه كثير من المدارس إلى يومنا هذا، ولا يعدو الحاسوب بالنسبة لأطفالنا كونه تحفة فنية تُزين أحد قاعات المعامل في المدارس. فما الذي حدث للمقرر الدراسي؟ 


في الاستطلاع المذكور، وبالنظر للفئة العمرية المشاركة به، فقد أكد 91% من المشاركين بأنهم سبق لهم دراسة مادة الحاسوب في مدارسهم، 71% منهم تقريبًا لم يستفيدوا من دراسته، إما بشكل كامل أو جزئي، وفي إجاباتهم عن السبب، بدا واضحًا أن خطبًا ما ارتبط بصورة مباشرة بقصور في المنهج الدراسي لهذه المادة، من التعليقات الواردة بهذه المشكلة ومشاكل أخرى مرتبطة بالعملية التعليمية بصفة عامة:


"لأن المنهج يتناول برامج قديمة إو إصدارات قديمة من برامج معينة.

ولأن مادة الحاسوب مادة عملية، لكن حني اقتصرنا في دراستها على النظري فقط - مع زيارة للمعمل في المناسبات والأعياد الوطنية بس - والشي هذا خلّا الاستفادة شبه معدومة."


"المناهج ضعيفة جدا وقديمة و المُدرسين مهتمون علي الجزء النظري اكثر من العملي"


"لم يكن هناك ذوي الكفاءه لتوصيل المعلومه ولا يوجد معامل بالشكل المطلوب"


"مجرد منهج تلقني"


"لم يتم في السنوات الأولى التركيز على الأساسية المهمة التي يحتاجها الفرد منّا في استخداماته العملية للحاسوب بل تم تناول مواضيع متفرقة بعض منها لن يتم الاستفادة منها إذا لم يقرر الطالب اتخاذ دراسة الحاسوب كتخصص جامعي بالإضافة إلى قِدم بعض المعلومات المتناولة وعدم مواكبتها للتطور التكنولوجي الحاصل في العالم، أي انك ستدرس شيء في الغالب لم يعد يستخدم في العالم التكنولوجي."


"يإما يعطوك تحفظ تعريف الماوس واذكر أجزاء الحاسوب، يايعطوك كيف تفتح برنامج الرسام وتلون فيه دائرة"


"كانت معلومات عامة وسطحية جدا لا تصل لمرحلة "اوه لقد تعلمت استخدام الحاسوب""


"كانت دراستنا بهدف النجاح و تخطي السنة الدراسية فحسب ، و لم نكن نستوعب مدى اهمية الحاسوب"


"لأن المناهج لم تكن حديثة، كنا ندرس أمور تتعلق بالحاسوب كالويندوز 7 وال internet explorer التابع له .. عن اللوحة الأم والفأرة ! عن شريط الحالة وشريط الأدوات، تكاد الكتب أن تقتصر على هذه المواضيع طيلة الأعوام التي درست فيها هذه المادة، والتي بكل تأكيد لاتضيف لرصيد خبرتي في استخدام الحاسب أي فائدة "


"اسلوب عطاء المعلمات لم يكن بالاسلوب المحفز لذهن ، كان الغرض من المقرر هو الحفظ لاجتياز المادة لم تكن متعه او شغف تعلم"


هذه الإجابات وغيرها، تدفعنا للتفكير مليًّا في تعريف أهمية هذا الجهاز لدى وزارة التعليم أولا، فهل اعتبرته هذه الجهة المسؤولة بالعاملين فيها ترفًا منذ البداية؟ إن صح الأمر؛ فهل انتقل هذا منها إلى العقل الجمعي بصورة تلقائية؟

الجدير بالذكر، أن لدخول الهواتف والأجهزة اللوحية الذكية للسوق الإلكتروني دور أساسي في فقد الحاسوب هيبته أكثر من السابق في بيوتنا، إذ اعتبره 81% من المشاركين بديلا كليًّا أو جزئيًّا للحاسوب، وهذا أمرٌ طبيعيّ بالنسبة لمجتمع تعرّف على استخدام هذه الأجهزة بحكم الحداثة الفجائية قبل أن يتعرف على "أيقونات سطح المكتب".

فهل تُعد الأجهزة الذكية حقًّا بديلا للحاسوب؟ هل من الممكن الاستغناء عنه بسببها؟


من بين الإجابات التي وصلتنا من الـ19% من المشاركين الذين لا يرون في الأجهزة الذكية بأنواعها بديلا للحاسوب، كانت الإجابة الأكثر تكرارًا تتعلق بسهولة استخدام الحاسوب من حيث اتساع سطح الشاشة ومرونة استخدام "الماوس"، وإتاحته العمل على برامج لا يمكن العمل عليها عبر الأجهزة الذكية المحمولة، كذلك لسهولة وسرعة الكتابة الطويلة بفضل محاكاة لوحة مفاتيحه لأصابع اليدين، لعل إجابة أحد المشاركين لخّصت الأمر حين علّق: "لأن الحاسوب رجل المهمات الصعبة".


وبعد…

لو كان للحاسوب بديلًا، لما استمرت صناعته، ولما استمر تداوله عالميًّا، يعلم العالم أجمع ألّا بديل لهذا الجهاز الذي مازالت أجيالٌ كاملة لدينا -للأسف- تجهل "ساسه من راسه"، ولا لوم عليهم بهذا الخصوص.

نحن بحاجة إلى ثورة معرفية ترتبط ارتباطا وثيقًا بما توفره لها التكنولوجيا الحديثة من وسائل تُيسر الوصول إليها، وتوفر هذه التقنيات لا يكون فقط بالاهتمام من جانب الدولة (التي نفقدها تماما!) فقط، بل من جانب أرباب الأسر أولا، بالتأكيد نحن بحاجة إلى اعتبار الحاسوب سلعة أساسية ينبغي دعمها لكي تصل إلى كل بيت في ليبيا؛ ولكننا أيضًا بحاجة ماسّة إلى إعطاء هذا الجهاز فرصته للتدخل في مهامنا اليومية، وواجبات أبنائنا، وتسليتهم أيضًا في جو أُسريّ يحفظ حقوق الأبناء بتطوير أنفسهم، تحت رعاية أهاليهم ورقابتهم بصورة مباشرة.


تعليقات