حان وقت الطلاق

 


*نُشرت على فاصلة، 2019


"عزيزي…

هل أبدو منافقة عندما أستهلّ رسالتي الوحيدة إليك بهذا المطلع؟ ربما، ولكن لا يهم، فأنت لن تقرأها بمفهومها الحقيقي، إذ أنك لا تنظر لحقيقة الأشياء على أي حال، ونظرك لا يتعدى قشور الأمور.


أكتب إليك رسالتي هذه طالبة منك الطلاق، أعتقد أنك توقعت مجيء هذا اليوم، أليس كذلك؟ أم أنك اعتدت ضعفي واعتقدت أني استسلمت منذ زمن، ولهذا ربما تماديت في غيّك! هل أغرتك سلبية أهلي وإكراهي على العودة بعد كل مشاحنة؟ بعد كل كدمة نفسية وبدنية؟ وتعتقد ولا بد في هذه اللحظة أن قراري هذا سيبوء بالفشل لنفس الأسباب السابقة، بل ربما سيجمح خيالك هذه اللحظات في تقرير نوع العقوبة التي تنوي إنزالها بي بعد عودتي مجددا للبيت كسيرة كسيحة ممسوحة بالبلاط.


لم أفهم يومًا كيف يمكن لأطفالنا أن يكونوا حجة مناسبة لاستمرار زواجنا؟ أطفالنا الذين ازدادوا عددًا رغم الجحيم الذي أعيشه معك، بسبب وهمٍ رسمته لي أمي وخالاتي وعماتي بل حتى والدتك؛ وهمٌ يقول بأن الأطفال والمسؤوليات ستغيرك، ووهم آخر يقول بأن حياة الأطفال مع أبويهم أفضل من حياتهم مع أحدهما منفصلا ومتخاصمًا مع الآخر، كيف يكون الجحيم أفضل لأطفالنا ونحن الاثنان زبانيته؟


والآن أنت محتار قليلا حيال الثقة الزائدة التي أكتب بها، نعم نحن نبدو أكثر جرأة حين تكون الرسائل هي الوسيط بيننا وبين من نحبهم أو نكرههم، أو أكثر من هذا؛ من نخشاهم كما هي حالتي معك، ولكن جرأتي لا تقتصر على هذا الأمر، فقرار الطلاق يُعدّ الأصعب لو تدري، أصعب حتى من قرار الزواج الذي لم يستغرقني إلا أسبوعا واحدًا، سبعة أيام كي أقرر أنك زوجٌ مناسبٌ، وسبع سنوات عجاف كي أستوعب حقيقة أنك لست كذلك! سبع سنوات صبرت فيها ونلت فيها نصيبي من اسمي "صبرية" كما تخبرني أمي دومًا!


تحتمي أنت وراء الحصانة التي يمنحك إياها المجتمع، وفق دستور الزواج المتوارث اعتقادًا وتصديقًا، فلا يجب طلب الطلاق من رجل لا يتعاطى الخمور أو المسكرات، ولا يجب طلب الطلاق من رجل يصلي ويصوم، ولا يجب طلب الطلاق من الرجل إن لم تثبت عليه الخيانة -وهذه فيها إعادة نظر-، وكأن هذه هي أقصى علامات النُبل التي يقدر عليها الرجال! وتدرك أنك وفق هذا الدستور أنت رجل مثالي. 


وها أنا أقرر بكل وقاحة، وأطلب الانفصال النهائي عنك، لم أتخذ قراري هذا فجأة، لقد توجت به برج الثقة الذي بنيته طوبة طوبة، عامًا بعد عام، هناك كومة من الطوب اكتسبتها في كل مرة أدميت جسدي فيها تحت ذريعة "واضربوهن"، هناك طوبة اسمها "الشك"، وأخرى اسمها "الإهمال"، هناك "الخوف من حضورك" وهناك "الراحة في غيابك"، أساس هذا البرج وقواعده كان "انعدام الأمان حين نكون معًا تحت سقف واحد"، الأمان العاطفي والجسدي والمادي، كلٌّ على حد سواء، هذا كان كفيلا بالقضاء على ترددي، بسبب ما سأواجهه فور حصولي على الطلاق؛ هناك أهلي الذين سيرفضون عودتي مع مرفقاتي: أطفالي، هناك التهديد البديهي بفقدان حضانتهم إذا ما تجرأتُ على الزواج مرة أخرى، هناك مجتمع بأسره لن يسمح لي بالعيش مستقلة مع أبنائي وكأني قاصر، هناك العيون والآذان والأفواه التي ستترصد حركاتي وضحكاتي وستعد عليّ أنفاسي كي تبصمني بالعُهر مع أول شبهة!


ستتهمني القبيلة بالجحود، ستفقأ أصابع الاتهام عينيّ، فأنا وفق قوانين الزواج في مجتمعنا زوجٌ ناشزة، وأنا وفق أعرافه سقيمةٌ لئيمة. 

ولكن رغم كل هذا، بل رغمًا عن كل هذا، أقولها لك الآن، يا عزيزي، حان وقتُ الطلاق".


هل تريد بالتأكيد نقل هذا الملف إلى "سلة المحذوفات"؟

نعم          لا


تعليقات