العيد والحجر الصحي

 


*نُشر على فاصلة، 2020، ضمن حملة "مش ناقصة" للتوعية بأخطار الجائحة وكيفية مواجهتها.

دعوني أحكي لكم قصة صغاري الثلاثة، الذين تفوقوا عليّ، ومنحوا يوم الأم والطفل بهجة تكفلتْ بتفتيت مخاوفي وقلقي في ظروف كهذه.

كنا قد اعتدنا استقبال هذا اليوم من كل عام بطقوس تتكرر في معظم بيوتنا، لباس خاص للاحتفال في المدرسة، ثم الذهاب مساءً إلى متجر ألعاب، ليطيبوا خاطرهم بلعبة أو اثنتين. اعتادوا أيضًا فعل الشيء ذاته معي، بتخصيص هدية رمزية يتفقون عليها مع أبيهم بصورة -يظنونها- سرية. 

 

اختلف الأمر كليا هذا العام، لا بسبب نزوحنا فحسب، وإن كان عاملا أساسيا تسبب في فراقهم لأبيهم الذي بات مقيما في مكان آخر بعيد اضطرارا، إنما كورونا هو ما أفسد عليهم هذا العيد، ودفعنا للإقامة الجبرية، فلا مدرسة يحتفلون فيها مع أصحابهم، ولا منتزهًا يقضون فيه بعض الوقت، لا مشوار صغير إلى دكان الألعاب، ولا حتى زيارة من أبيهم بعد التزامنا جميعًا بالحجر الصحي. هذا ما دفعني للاستسلام، وللقلق بشدة حيال الكيفية التي سأصارحهم بها ألّا عيد طفولة لهذا العام، لم يكن واردًا حتى إقناعهم بتأجيله في مواجهة أزمة مجهولة الأمد. إذًا، أمر إلغاء عيدهم كان مُسلّمًا به بالنسبة لي، رغم صعوبة ذلك أمام انتظارهم له منذ دخول العام 2020، ولكنه لم يكن كذلك بالنسبة لأبنائي الثلاثة (10 سنوات، 8 سنوات، 5 سنوات)، ومع وعيهم بضرورة الحجر الصحي واستحالة شراء أي مستلزمات لم تتوفّر مسبقا خلال الأيام الماضية، مع كل ذلك، بدؤوا بالتحرك والتخطيط لعيدي فيما كنت منهمكة في حيرتي.

لاحظت حركتهم المريبة، ابتعادهم عني واستفرادهم ببعضهم، بحثهم المستمر عن الأوراق والغراء، والملصقات والزينة والأقلام، همسات وصيحات وتنبيهات تعلو إذا ما اقتربت من مساحتهم السرية، علامات نبأتني بعزمهم الاحتفاء بي، أيا كانت الوسيلة والإمكانيات والظروف، بثقة تامة وهمة عالية! أكدت "أميرة" -وهي أصغرهم- شكوكي، إذ أصرت على تأدية دور "عاطف السكري" (شخصية طريفة جاءت في مسرحية "العيال كبرت"، تخصصه "الفرمطة"، و"خبر بلا نشدة") بين الحين والآخر، تأتيني متحمسة مبتهجة تقفز لتخبرني بأنهم "لا يجهزون" شيئا لي، وأنهم "لن يحتفلوا" بعيد ميلاد ماما!"، ظنا منها بأن عيد الأم لا يعدو كونه عيد ميلاد كل الأمهات! ويبدو لي هذا منطقيا، إذا نظرنا لولادة كل طفل وكأنها ولادة جديدة لأرواحنا...

ماذا حدث لاحقًا!؟ هدايا مصنوعة بحب، صغيرة الحجم، هزيلة الخامة، عظيمة القيمة، وماذا أيضًا!؟ درس بحجم السماء، وبطول المسافات التي قطعها فيروس كورونا، درس عن حالة إصرار تفوقت على إصرار ذلك الوباء، وعن المساحة الحقيقية التي تكمن فيها الحياة، مساحة صغيرة ندعوها "القلب".

صغاري وصغاركم أبناء الجيل الذي سيحرك عجلة الحياة فوق هذه الأرض خلال 10 سنوات من الآن على الأقل، يستحقونها، فلا تحرموهم منها.

 

فـ #خليك_في_حوشك

والله الحكاية #مش_ناقصة

 

-  كتابة | كوثر الجهمي

-  تدقيق | أميرة الكلباش

تعليقات