دستور الفالحات

 


*نُشرت على فاصلة، 2019


احتضنت يدي بين كفيها وهتفت: "ما شاااااااء الله! بنيّة خوي ولّت صبية!".


هذه عمتي وكأنها تراني أول مرة، لا تحرك حدقتيها بعيدًا عن وجهي إلا لتتأمل التغيرات التي طرأت على جسدي منبئة بطور تفتح الأزهار، ودماء حارة أشعر بها تتدفق في وجهي وتنتصب لها بصيلات شعر رأسي، كنت غائبة عن ساحة المناسبات الاجتماعية، والفضل في غيابي يعود لاستغراقي في الشهادة الثانوية العام الماضي، ثم دخولي تخصصًا دراسيًّا عزلني عن العالم المحيط، فيما عدا صديقاتي وزملائي في الدراسة..


"لو عندي ولد أكبر منك بس راني حجزتك!"

ولولا وقوف أمي قبالتي على الطرف الآخر من السرير لوجدتُ لها ردًّا يناسب تطلعاتي وأحلامي التي لا تتضمن الزواج حتى الآن!


"بنتك مش حطّوّل عندك يا زُهرة ودقيهالي وشمة هني"، أشارت نحو ذقنها بيدها المغروسة بها إبرة التغذية وأكّدتْ: "هني دقيهالي، كان سكرت العشرين عندك!"

ثم استدركتْ متسائلة: "إن شاء الله غير فالحة زي مانك مملحة هكي؟"

هنا قهقهت أمي، ولكنها لم تعلّق وتمسّكت بـ"إذا ابتُليتم فاستتروا"!


لكن عمتي إنسانة لمّاحة وخبيرة في هذا الشأن، أعني شأن "الفلاحة"، لم تعجبها قهقهة أمي فالتفتت نحوي تُعدد وتشرح –كالحافظ عن ظهر غيب- بنود "دستور الفالحات"، "الصّبيّات والمتزوجات"، خاصة خلال المناسبات:


1.      إحذري جلسة التلفونات، فهي داء "اللمات" وعلة "البايرات".

2.      لا تدعي سفرة في المناسبة لا تحمليها، ولا عطشانة لا تسقيها.

3.      المناسبات ليلة واحدة أو سبع ليال "بالكثير"، تحمّليها فبها يراك شهود العيان، ومنها يأتيك العرسان.

4.      اجعلي في حقيبتك دون لباس الحفلة، تغييرة عملية "للوَحْلة"، تعومين بها في "الكازان"، ولا تخشين بها "حوسة عصبان".

5.      كوني في ذوقك "زمنيّة"، تنالين من عجائز المناسبات كل محبّة و"حنّية".

6.      إياك والخوف على صحتكِ، فلن يصيبك إلا ما كتب الله لكِ، إن طلبوا منك للعالة ملء "السكريات"، فلا تترددي في إتيانهم بالسكر في "شوالات".

7.     من مطبخهم لا تخرجي، وأماكن "مواعينهم" احفظي، يدعون لك بخلاصك، ولا يحلفون إلا "براسك".

8.     في أفراحهم كوني أول الراقصات، وفي أحزانهم كوني أكثر النائحات.

9.     وصفات الكيكات والعجائن والمأكولات دوّنيها، وحين تنفذينها صوريها، ولكل الحاضرات علميها.

10.   كوني أول المستيقظات، وآخر "المتمرقدات"...


وبدا أن القائمة ستطول لولا دخول الممرضة -المنقذة- تستعجلنا الرحيل مذكرة إيانا بانتهاء وقت الزيارة.

فعمتي "الفالحة" المشهورة لدينا ولدى أهل زوجها أيضًا "بحرارة دمها" ونشاطها وخفتها، خضعت مؤخرًا لعملية جراحية لمعالجة فتق أصاب بطنها، سبب الفتق كان هدفًا نبيلا؛ إذ أنها تكفّلت برفع سجادات بيت "حماها" المغسولة لنشرها على السطح، بعد انتهاء أيام مأتم "عمّ زوجها" هناك، ولم يكن قد مر شهران على ولادتها القيصرية لابنها الأخير.

--------------------
الصورة من مدونة "هايم في حب بلادي"


تعليقات