أستاذ: تاريخ

 


*نُشر على فاصلة، 2019


"التاريخ يعيد نفسه"، رددناها كثيرًا، ولكننا لم نفكر كثيرًا؛ لماذا يعيد التاريخ نفسه؟


التاريخ هو ذاك الشيخ المنسي في ركن مظلم من الحي، يشاهدنا بعينيه "المغبشات" ونحن نتشاجر، ونحن نحاول بناء أو تدمير حينا، يشاهدنا ونحن نسب فلانا ونلعن علانا؛ يحاول مراقبتنا بينما يربط أحدنا العقد ويحاول آخر حلها فلا يزيدها إلا تعقيدًا، ولكنه لا يحرك ساكنًا، فهو لا يمنح حكمته إلا لمن يطلبها، هكذا هم الشيوخ!

نحن الليبيون، يرمي  كل منا باللائمة على طرف ما، هذا همّش تاريخنا، ذاك لم يهتم بالتعليم ولم يبنِ المدارس كي نتعلم أصلا! مهلا، من أخبرك بأن المدرسة ستعلمك كل ما تحتاج إليه؟ ما الذي بقي في ذاكرتك من مقرر العام الماضي أصلا؟

في هذه البقعة المسماة "ليبيا"، والتي لم تحمل هذه التسمية إلا بدايات القرن الماضي فقط! (معلومة أخرى يجهلها معظمنا)، هذه البقعة الواسعة شبه المستطيلة، تحمل تاريخًا تنوء بحمله العصبة أولي القوة! ثروة تاريخية، بحار كلما قطعت إحداها أوصلتك لمحيطات لا قرار لها. هذا المقال دعوة للغوص فيها، تقمص دور القرصان، كما فعل بعض أجدادك (من الأسرة القرمانلية)، أو تقمص دور (كابتن هادوك الذي لا تربطنا به أي علاقة)، وابحث عن الدر المكنون فيها، لماذا؟ ما الذي يعلمنا إياه هذا الشيخ، الأستاذ تاريخ؟

لا شيء! إلا بضعة أمور "تافهة" أذكر منها:

1.      الأستاذ تاريخ يجيب عن سؤالك "علاش؟"، "علاش القبيلة الفلانية هادة عالقبيلة العلانية؟"، "علاش ماعندناش إرث عثماني عمراني ضخم زي في سوريا ومصر مثلا؟"، "علاش احتلونا الطليان احنا بالذات؟"، "علاش ليبيا ولى اسمها ليبيا؟"، "علاش" هذه ستعيد ترتيب الحقائق في ذهنك، تصفي الرؤية، وتجعلك أكثر موضوعية في تقبل تلك الحقائق.

 

2.      الأستاذ تاريخ يشرح لك "كيف؟"، كيف عاش الإنسان البدائي في البقعة المشهورة بالصحراء الكبرى؟ كيف بنى الرومان حضارتهم لدينا؟ كيف أثرتْ القبلية على المقاومة الليبية؟ كيف عاش التبو والطوارق في صحرائنا المستحيلة؟ كيف حكمنا إدريس وكيف حكمنا القذافي؟ "كيف" هذه ستقودك لفهم مجتمعك أكثر، بإيجابياته وسلبياته، بمواقفه المشرفة والمخجلة، "كيف" هذه ستدلك على كل تلك التراكمات التي نتململ فوقها اليوم.

 

3.      الأستاذ تاريخ يحكي لك حكايات أكثر تشويقًا وإثارة ودراما من الأفلام الهندية والمسلسلات التركية، ومن لا يحب الاستماع إلى الحكايا؟

 

4.      أستاذ تاريخ يضع أمامك البطاقات الشخصية والسير لمن سبقوك في الإقامة على هذه البقعة، إن أرهفت سمعك ستنصت لحكاياتهم وأشعارهم، قد تشم رائحة طعامهم والغبار الذي أثارته أقدامهم على الطرق المتربة، ويومًا ما، ستكون أنت مكانهم، وشخصًا ما -ينصت جيدًا للأستاذ تاريخ- قد يسمع صوتك، ويتعرف إلى أفعالك ومواقفك، ماذا تحب أن يعرف عنك؟ بإمكانك أنت تقرير محتوى صفحتك!

 

5.      وأخيرا وليس آخرًا، أستاذ تاريخ -وللمفارقة العجيبة- يكشف لنا عن مستقبلنا، لأنه يعلمنا ما ينبغي لنا أن نكون عليه، بتجنب أخطاء من سبقونا، فإن لم نفعل؛ فلن يختلف المستقبل عن الماضي، "وصلت التلقيحة؟".

 

إذًا، بالعودة للسؤال الذي بدأنا به المقال، لماذا يعيد التاريخ نفسه؟ فالإجابة؛ لأننا لا نقرأه، لا ننصت إليه؛ بالتالي، لا نتعلم منه.

هنا بعض الكتب المفيدة، أنصح بها المبتدئين:

  • موسوعة تاريخنا، إعداد: الصادق النيهوم.

  • الأيام الطرابلسية، محمد محمد المفتي.

  • هدرزة في بنغازي:هوية المكان الجميل، محمد محمد المفتي.

  • هدرزة في بنغازي: التاريخ الاجتماعي للمدينة، محمد محمد المفتي.

  • سهاري درنة: التاريخ الاجتماعي للمدينة، محمد محمد المفتي.

  • حكاية مدينة، خليفة التليسي، منشورات الدار العربية للكتاب.

  • عشر سنوات في بلاط طرابلس، ريتشارد توللي، ترجمة: عمر أبو حجلة، منشورات دار الفرجاني.

  • رحلة في الصحراء الليبية، كنود هولمبو، ترجمة: محمد بشير الفرجاني، منشورات دار الفرجاني.


إن كنت من المهتمين بهذا الأستاذ-الثروة، فما أهم درس تعلمته منه؟ وما هي الكتب التي تنصح بها؟


------------

الصورة: @History of Libya


تعليقات