*نُشرت على فاصلة، 2019
الضحية رقم 19، أجهز الصور، أرفقها بتعليق صغير على "مسنجر" حساب الضحية:
"عندك مهلة 3 أيام، تبعثلي عالعنوان اللي حنكتبه لك تحت حوالة بـ2000 دولار، وإلا الصور حينزلن متسلسلات كفيديو، ونحطهن لك عاليوتيوب والفيسبوك تحت عنوان "شاهد قبل الحذف" وزيد فوقها +18".
وهكذا سأوفر إيجار شقتي في القاهرة هذا الشهر وربما الذي يليه، مع مصاريف معيشتي وتكلفة سفر سري وقصير إلى وطني، ألتقط فيه صورًا لبنات أو زوجات أو أخوات ضحايا آخرين، يقمن فيها بأعمالهن الاعتيادية، كقيادة السيارة أو الدراسة أو الوقوف على مقهى ما، أو حتى التثاؤب، يكفي أن يتواجد في الصورة رجلٌ آخر بالصدفة، مادة كافية لأعيش بضعة أشهر أخرى، في بلد غريب.
يعلم كل ضحاياي بأن صور بناتهن أو زوجاتهن أو أخواتهن ليس فيها ما يُعيب، ولكن نشرها على الإنترنت هو العيب والحرام في حد ذاته، خاصة إن كان العنوان "شاهد قبل الحذف" مرفق بأسمائهن وأسماء عائلاتهن، وتحديد عمر المشاهدة، نصف من سيقابلهم العنوان لن يكلف نفسه عناء المشاهدة، وسيسرع لنشر "الفضيحة" مستعينًا بعنوان المادة المنشورة، أما النصف الآخر فسيتولى خياله مهمة حبك وتأويل أمورٍ تافهة يراها دماغه ولا تراها عيناه، وسيحولها إلى ما لذ وطاب من أشكال الرذيلة، خياله الجائع سيفعلها، وسينشر تأويلاته فيتلقفها نفس النوع الأول، وهكذا..
الابتزاز وتسويق الفضائح الوهمية، هذه هي مهنتي التي أعتاش منها، تعلمتها إثر صدام حصل بيني وبين شقيق إحدى الفتيات في حفل تخرج، تم التنسيق والدفع لي لتصوير بعض الخريجين والخريجات، ذاك الشاب الغيور قام بكل جرأة، وبمباركة من بعض الحضور، قام بتحطيم الكاميرا خاصتي، العدسات الإضافية، الفلاش وحامل الكاميرا.
"الناس دافعينلي بيش نصورهم! كنك إنت!؟".
"مش إختي اللي دافعتلك بيش تطلع في الصور عندك، إختي مالهاش علاقة بالساقطين اللي جايبينك!"
لم أفهم ما الخطأ في ظهور أخته العرضي، أخبرني لاحقًا أصدقائي وهم يواسونني فقدان شريكتي وعشيقتي "الكاميرا" التي اشتريتها بالديون؛ أخبروني أنه خشي نشر صورة أخته في مواقع التواصل الاجتماعي، يخشى أن يتعرف عليها الناس، يخشى أن يلصق بها أحدهم لفظًا خادشًا معيبًا، مهما كانت الصور نظيفة، فإن أي لفظ قذر كفيل بتلويثها، تظاهرتُ بالفهم ليلتها، عثرت على ذاكرة الكاميرا، الشيء الوحيد الذي لم يتحطم، وضعتها في كاميرا صديق لي، فقد وجدتُ نفسي مضطرًّا لاستكمال عملي وإرسال الصور لمن تم الاتفاق معهم، مستثنيا صورة شقيقته، ثم رأيته يقف إلى جوارها في الصورة، وجهها يبدو واضحًا، أما هو فلم يبد منه إلا ظهره، عرفته بصلعته، وخطرت ببالي تلك اللحظة فكرة، اكتشفت لاحقًا أنها بالضبط ما كان يخشاه.
لملمتُ ديونًا من هنا وهناك، انطلقت إلى القاهرة، ومن هناك أرسلت له بالصور مرفقة بتهديد بنشرها تحت حجة "فضيحة بنت فلان مع صاحبها في حفل التخرج المختلط"، كم من الناس سيعلم أنه شقيقها، وكيف سيتأكدون من ذلك؟ وحتى إن علموا فسيكون قد فات الأوان، وهُتك عرضها بالألسن القذرة، طلبتُ منه مبلغًا يكفي لشراء كاميرا ومعدات جديدة بدل التي حطمها، زائد تسديد ديون السفر والإقامة المتراكمة فوق رأسي.
وهذا ما حصل، واكتشفتُ أن الكاميرا حين تتحول إلى عاهرة، توفر لي نوع حياة أفضل بكثير من تلك التي كانت تأتيني بها كمحبوبة وشريكة حياة وشغف، وجدتني أبحث أولا عمن صفق لذلك "الشهم الغيور"، كررت معهم الأمر، ثم بدأت بالبحث عن "الغيورين" أمثالهم، أولئك الذين لا يتورعون عن تلقيب غيرهم "بالديوثين"، ولا يترددون في التلفظ بكلمات خادشة للحشمة، للدفاع عن الحشمة! ألتقط الصور في زيارات سريعة لموطني، عدة أسماء، عناوين، صور، حوالات أعتاش منها، "واللي يخاف من الغولة تطلعله"!
تراودني "كاميرتي" عن نفسي أحيانًا مذكرة إياي بأيام الشغف، أيام كانت خفيفة على يدي، أيام الفقر و"العازة"، أبحث عن عملي القديم في القاهرة شوقًا لتلك الأيام، ثم لا يلبث لعابي بالسيلان مجددا كلما وقعت على تعليق لأحد المتطرفين غيرة وشرفًا.
وبتُّ أتمنى أن يبقى الحال على ما هو عليه، سأفقد مصدر رفاهيتي إن كف الرجال عن اعتبار أسماء ووجوه نسائهم عورة! سأفقد عملي إن تخلصت ألسنتهم من قذارتها وكفوا عن الطعن في شرف غيرهم! لذا؛ استمروا أعزائي في تقديم ولائم القذف والتشهير، فهي شهية لأمثالي.
تعليقات
إرسال تعليق