قابلني منذ دقائق إعلان دعائي "غنائي" -على ما أحسب- عن مسحوق لتنظيف الملابس، إعلان لا يستحق ربع ما صُرف عليه، إن كان ثمة ما صُرف عليه من الأساس، يخلو من أية أفكار فنية وكأنما قرر صاحب المنتج صناعة الإعلان صباحًا فجُهّز له عصر نفس اليوم.
وبينما كنت أتجوّل بين التعليقات -كعادتي- لأرى إن كان ثمة من علّق بنفس ملاحظتي، فوجئت بتعليقات تسخر من الإعلان، غير أنها تعليقات جديرة بالسخرية أيضًا، بل ربما تكون تفوقت على الإعلان بمستوى حماقتها.
أدى أغنية الإعلان شابّان من الشباب المعروف في الوسط الرقمي (أعني أنهما لا يملكان الموهبة بالضرورة)، فكانت بعض التعليقات تنتقد كون مؤدي الإعلان رجال لا نساء! لم ينتقد التعليق أصوات الشابّيْن، لم ينتقد رداءة أداءهما وسطحية الإعلان. لا. انتقد فقط كونهما رجُليْن! والمزعج أن معظم أصحاب هذا "النقد" غير البريء من النساء.
ذكّرني هذا بعبارات لطالما أثارت استغرابي موجودة على عبوات مساحيق الغسيل الورقية: "افتحي هنا"، "انقعي"، "اشطفي".... إلخ
ما يثير استغرابي حقًّا هو دلالة هذا التصنيف النوعي لمنتج يتعلق بالنظافة؛ أيعني هذا التصنيف أن الرجل إنسان غير نظيف؟
أم أنه إنسان عاجز عن تنظيف الوسط الذي يسكنه؟
أتفهّم تماما أن المرأة تقوم بمعظم هذا العمل في بيتها، لأنه بيتها، ولأن المعنيين بنظافة البيت أسرتها، ولأنها تهتم بصحتهم وتحبهم، ولكن هذا لا يعني أبدًا أنها مخوّلة وحدها باستعمال هذه المساحيق. فالرجل قد يقيم وحيدًا، وقد يعين أهل بيته في التنظيف كما كان يفعل نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-، والرجل يسافر وحيدًا ويغترب ويعتمد على نفسه، بل قد يتفوق حتى على أمه وأخته في بعض المهام التي صُنّفت للنساء (دون أخذ مشورتهنّ)، فنحن نرى بعض الرجال ينظف بطريقة ذكية وسهلة لا تخطر ببال كثير من ربات البيوت، ونحن نجد بعض الرجال يحسن الطهي ويتفوق فيه، أليست "زرادي الشباب" خير دليل على قدرة الرجال الاعتماد على أنفسهم من "طقطق" إلى "السلام عليكم"؟
هذه الظاهرة ينبغي أن تثير غضب الرجال قبل النسويات، فهي إهانة في حقهم.
تعليقات
إرسال تعليق