(كُتبت في 2017)
السبت الماضي، ذهبتُ في زيارة لمكتبة الفرجاني بشارع ميزران، لأني كنت قد عقدتُ العزم على
شراء ثلاثة كتب منذ فترة، وأخيرا توفر لدي المبلغ المناسب لذلك، وككل زيارة، كان
أطفالي يسعدون بزيارات كهذه، لأنهم على ثقة بأنهم سيخرجون –كوالدتهم- بكتاب أو اثنين،
وهذا ما حدث فعلا..
ابنتي يمنى (7
سنوات)، كانت قد ألِفتْ وقرأتْ معظم القصص المعروضة في المكتبة، فأخبرتني
بأنها تنوي شراء مجلة لا كتاب، وعللت ذلك بسبب مقنع جدا، قالت لي بأن المجلة تحوي أكثر
من قصة، أما الكتاب فيحوي قصة واحدة فقط، اقتنعتُ برأيها، ولكنها غيرتْهُ قبل
خروجنا من المكتبة بقليل، بعد أن وقع نظرها على هذا الكتاب :
"لا تلمسني، جسمي ملكي
أنا"
انتابني بعض الشك أنا ووالدها بداية عند
قراءة العنوان على الغلاف، لم نكلف أنفسنا عناء الإطلاع عليه، ربما هو الخوف من
الخوض في تلك المواضيع، نعم، المواضيع التي تقدم ثقافة حماية الطفل ضد التحرش
الجنسي، ثقافة توعية الطفل بأهمية جسده، وبحرمة أماكن محددة منه، ربما كان سبب
ارتباكنا وتجاهلنا في البداية هو انعدام الثقة في جودة المحتوى العربي الذي يخوض
في هكذا أمور، فثقافتنا العربية والليبية بالأخص وبرغم انتشار ظاهرة التحرش
بالاطفال بل واغتصابهم في أحيان كثيرة إلا أنها تبقى في حالة ارتباك تجاه الكيفية
التي ينبغي علينا بها توجيه أطفالنا وتحصينهم ضد هكذا جرائم، فنكتفي فقط بتحذيرهم
من الحديث مع الغرباء! دون أن يدرك الطفل لِمً كل هذه التحذيرات، ودون أن نعير
اهتمامًا إلى أن معظم حالات التحرش –التي نسمع عنها- تحدث بين الأقارب.
ويبقى هذا الموضوع مسكوتا عنه بقدر شيوعه في
مجتمعاتنا، ليس من جهة الآباء فقط، بل من جهة الطفل نفسه، كثير منهم لا يعترف بحادثة
تحرش تعرض لها في صغره إلا بعد أن يبلغ بصورة كافية ليكتسب شجاعة الاعتراف، كثير
من الكبار لم يبلغوا بالقدر الكافي، فالبلوغ هنا أقصد به البلوغ الذهني الذي لا
يرتبط بعدد السنوات التي قضيتها بقلب ينبض.
ولكن "يمنى" أصرتْ على شرائه، لا
وعيًا بمحتواه بالطبع، ولكنها انجذبت للغلاف ولحجم الكتاب، 24 صفحة بحجم ورقة A4 ، تأليف "سامي الجوادي" ورسومات جذابة لـ"آية هشكل". وشكرا لله لأننا طاوعناها هذه
المرة.
ابتعناه لها، وقرأته لها هي وشقيقها مؤمن (5 سنوات) بمجرد عودتنا للبيت، فضلت
"يمنى" أن أقرأه لها أولا لشدة لهفتها للكتاب، فهي تقرأ –بالطبع- ولكن
بطء قراءتها تجعلها تفقد تركيزها في القصة وتركز بدلا عن ذلك في الكلمات فقط، كما
وأني فضلتُ قراءته لها أولا لأنه مكتوب بالعامية، أجل باللهجة الليبية الدارجة،
كنتُ قد صُدِمتُ بداية بهذا الأمر، وقررتُ سلفا بأنها نقطة ضعف، ولكن بعد انتهائي
من قراءته، اكتشفت أنها أقوى نقطة تُحسب للكتاب، ليس لأنني أدعم الكتابة بالعامية،
ولكن للسبب التالي:
فثقافة توعية الطفل بأعضائه
"الخاصة"، ثقافة لا يجهلها فقط الأطفال، بل الآباء أيضا! فأنا أعرف جيدا
أن علي تنبيه وتوعية أبنائي ولكني أفتقد لمعرفة الأسلوب الأمثل لذلك، هذا الكتاب
قدم لي الحل، فقد عرفت كيف أخاطب أطفالي بلهجتنا العامية، البسيطة، والحلوة، كيف أحذرهم
من أي لمسة "غير مريحة" من أي شخص، غريبا كان أم قريبا.
الكتاب يقدم الأسلوب الأمثل لتحصين أطفالنا
وتعليمهم كيفية التعامل مع أي موقف قد تتعرض فيه سلامتهم الجسدية والنفسية تباعا
لأي خطر، في إطار قصة لتوأمين، سليم وسليمة، وهنا
يلفت نظرنا كاتب القصة السيد "سامي الجوادي" بذكاء لضرورة نشر هذه
التوعية بين الجنسين، فالتحرش ليس قصرا على البنات، والأولاد أيضا عرضة لهكذا
مخاطر، للأسف خوف مجتمعنا على البنت أكبر، باعتبار أن التعدي الجنسي له دلالة
واضحة تظهر في فقدانها عذريتها المحسوسة، أما الصبيان فلا دليل ملموس يستمر مع
الزمن لتعرضه لهكذا جريمة، ويتجاهل مجتمعنا أن الروح عندما
تفقد عذريتها يكون عذابها أشد وأنكى، ولا تخفيه سنوات العمر.
نقطة أخرى أبهرتني، فالكتاب غير موجه فقط
للأطفال، بل للكبار أيضا، إذ أنه وبطريقة غير مباشرة يذكرنا بعبارات علينا ترديدها
على مسامع أطفالنا، "أنتم غاليين علينا"،
"أنا فخور بيك"، "أنا نحبك"، بل وينبهنا إلى أهمية ألا
نبالغ في ثقتنا بالأقارب والأصدقاء عندما يتعلق الأمر بسلامة أبناءنا.
مؤلف الكتاب هو مؤسس جميعة "نور الحياة للأعمال الخيرية"، الجهة
الناشرة، ولقد أثارني الكتاب لدرجة أني بحثت عن هذه الجمعية على الإنترنت، إذ أن
الشك قد ساورني حول أن تكون الجمعية قد اهتمت بنشر الكتاب كما يجب، فكثير من
المشاريع الممتازة تموت في مهدها لفشل الجهة المتبنية لها في الدعاية والنشر،
ولكني شعرت بتمام الرضا إذ اكتشفتُ (من خلال نظرة على صفحة الجمعية على الفيسبوك)
بانها قامت بعدة فعاليات منها زيارات لكثير من المدارس الابتدائية لتوعية الأطفال
من هذه الناحية، بل وقامت الجمعية بتوزيع هذا الكتاب مجانا على اطفال المدارس التي
قامت بزيارتها، وهذه أيضا نقطة ذكية تُحسبْ لصالح مؤلف الكتاب والجمعية الناشرة، أولا لقلة زوار المكتبات من الآباء والأمهات، فزوار
المكتبات في أغلبهم من الشباب والشابات
الذين يبحثون عما يمضون به أوقاتهم، وثانيا لأن
بعض الأطفال –للأسف الشديد- يتعرضون للتحرش من قبل بعض مرضى النفوس من الآباء،
وهنا لعل الطفل الذي يعي ويقرأ هذا الكتاب يتوجه إلى والدته أو معلمته للإفصاح عما
اعتقد انه سر لا ينبغي البوح به.
ولا يسعني هنا إلا أن أشيد بهكذا مجهود
وبهكذا جمعيات، في الزمن الذي اقتصر تقريبا دور الجمعيات الخيرية على إطعام الأسر
التي تفتقد المعيل و على كسائها، أنا لا أستهين بتلك الجهود، ولكننا في أشد الحاجة
أيضا إلى أعمال خيرية تتجه نحو التوعية والثقافة خاصة لأطفالنا الذين نعول عليهم
في عملية بناء مستقبل بلادنا.
الكتاب هو الأول من نوعه في المكتبة الليبية،
شكرا جزيلا للأستاذ "سامي الجوادي"، وشكرا لجمعية "نور الحياة
للأعمال الخيرية".
تعليقات
إرسال تعليق