المجنّد


 

رواية "المجنّد"، للأريتري "غيبريسوس هايلو"، رواية قصيرة novella تقع في 62 صفحة إن استثنينا صفحات المقدمات، موزعة بين أربع فصول، وهي أقرب للقصة، لذا، فهي مكتوبة بلغة مكثفة وبسرد شيق يقفز بك من فصل إلى آخر.


بالطبع، لغة السرد هنا كلاسيكية، فقد كُتِب النص عام 1927، ونشرت أول مرة بلغتها الأم "التغرينية" في 1950، ثم ترجمت لأول مرة على الإطلاق إلى الإنجليزية 2012، وإنه لمن دواعي الفخر أن تكون ترجمة فرج الترهوني لدار الفرجاني إلى العربية، هي الترجمة الثانية لهذا النص البديع.

تروي القصة حكاية توكوابو الحبشي، الذي جُنّد طواعية لدى الجيش الإيطالي، كي يكون أداة لاستعمار بلاد أخرى، كما استُعمرت بلاده.
وتوكوابو ليس شخصية فردية، إذ لا يشعر القارئ بأنه يقرأ حكاية توكوابو فقط، بل حكاية كل المجندين الذين حاربوا الليبيين لأجل مجد روما، لا لمجد بلادهم أو أهاليهم، وهذه بقعة مظلمة في تاريخ أريتريا، تتداخل مع تاريخ بلادنا ويجهلها معظمنا.

القصة مبنية على المفارقات الذكية، فالمستعمَر هنا يقتل مستعمَرًا آخر لأجل نفس المستعمِر الذي يضطهدهما معا، ويراهم أقل منزلة من الكلاب! "المستعمِر الذي من أجل إراحة ضميره يعتاد على رؤية الآخر كحيوان، وبشكل موضوعي يميل إلى تحويل نفسه إلى حيوان".

أنت تلحظ حكم المجندين من البلدان المحتلة على بعضهم بقسوة، بدل أن يحكموا على عدوهم الواحد. ويبدو هذا جليا في استخدام الروائي لصيغة المبني للمجهول حين يتحدث عما يتعرض له المجندون من ظلم، كيف تُرِكوا، وكيف أُرسلوا، كيف لاموا أنفسهم، وما قيل لهم في أرض العطش والرمال الملتهبة، دون أن تتم الإشارة بوضوح في معظم أجزاء الرواية للإيطالي، وهو أسلوب ذكي وفي محله، إذ لم ينبغ لهم أن يلوموا إلا أنفسهم.
"لقد تبين لهم مدى الحمق في مشاركة الآخرين حروبهم دون فائدة لبلدهم."
و"كان الليبيون يشعرون باختلاف عميق في قلوبهم فهم يعرفون أنهم سيقاتلون من أجل بلدهم ، وفي بلادهم".
ولا تخفى أغرب مفارقة، حين تعجب توكوابو من استماتة هؤلاء الليبيين في الدفاع عن هذه الأرض القاحلة، فيما سلم الأريتريون مراعيهم وأرضهم الخصبة دون أدنى مقاومة للإيطالي حسب قوله، وتساءل: كيف ستكون إذا مقاومة هؤلاء العرب لو كانوا يملكون أرضا كالحبشة؟

رواية قصيرة تنتهي في جلسة، ممتعة ودسمة ومثيرة للمشاعر، أنصح بقراءتها 

تعليقات